أما المنامات فلقد فصلنا الكلام فيها في كتابنا النصوص في مصطلحات التصوف ، ونوجز القول هاهنا فيها فنقول : إن المنامات ذات رفدين منامات لها صلة بالنفس الحيوانية ، وما يحدث في هذه النفس من تأثيرات خارجية وانطباعات حسية لها علاقة بالعالم ، ولها مخاوفها وترددها وشكها وخيالاتها وأحلامها وتطلعاتها إلى المستقبل ... فهذه كلها لوحة عصبية تهتز أسلاكها فتنتج تلك المنامات وسماها سبحانه أضغاث أحلام ... وهناك المنامات التي وصفها النبي بأنها بشرى ، وهي ذات صلة بالنفس الكلية ، فالقلب ينفتح هنا على العالم الداخلي للذات الباطنة التي تريه صورا هي محاكاة الصور الظاهرة ، ولكن لها معاني سماها سبحانه تعبيرا ، والتعبير استخلاص المعنى الباطن للمنام وحل مرموزاته.
والحقيقة أن الناس جميعا يرون منامات واردة من عالم الروح الباطن ، ولكنهم لا يفهمونها لأنهم لا يعبرون ، إذ التعبير علم إلهي اصطفى الله لهم عبادا فهمهم إياه ، وسيد هذا المقام يوسف عليهالسلام.
وقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة في تثقيف القلب عن طريق مده بالمعلومات التي هي الوجه الظاهر للمعقولات ، ولهذا ربط النهار بالإبصار. والقلب من غير الإبصار ما كان لينتهي إلى المقام الذي تتفتح فيه البصيرة ، إذ عالم البصيرة عالم المعقول والرمز ، فلا بد من شهود العيان لفهم هذه الأعيان الثابتة التي لو لا العيان الظاهر لظلت مرموزات مطويات مكنونات معطلات حكمها حكم العدم.
٧١ ، ٧٢ ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢))
[يونس : ٧١ ، ٧٢]
كنا قد تحدثنا عن نوح ، وكونه في مقام الصورة الجامعة. فنوح خليفة آدم الظاهر ، وآدم أبوه الباطن ، والإثنان ممثلا الاسمين الظاهر والباطن لله عزوجل. ونوح دعا قومه إلى الوحدة والتوحيد والإيمان بالألوهية الشاملة وأنكر على قومه إشراك الشركاء في هذه الألوهية. ولهذا وصف نوح بأنه مسلم ، وهو من إسلام الوجه أي حقيقة الإنسان ، لله عزوجل.
٧٣ ، ٧٤ ـ (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤))
[يونس : ٧٣ ، ٧٤]