الأخلاقي ذاته هو من القوانين الماورائية نفسها ، وهو يعد دليلا على وجود تلك القوانين.
٤٠ ـ (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))
[هود : ٤٠]
أمر الله حلول ليلة القدر ، ورفع الأستار المضروبة دون الغيوب ، والإيذان ببدء عملية التعليم اللدني. والتنور إشارة إلى طلوع صبح اليقين ، كما قال الإمام علي. وقال ابن عباس : (التنور انبجاس الماء من وجه الأرض) ، والعرب تسمي وجه الأرض تنورا. وقال قتادة : التنور أشرف موضع في الأرض وأعلى مكان فيها.
والإنسان هو الذي يحتل مكانة الشرف في الأرض لأن قلبه وسع الله ، وفيه انفجرت عيون علوم التوحيد.
وقوله : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) إشارة إلى أن الفلك العائم هو مجموعة الأسماء المتقابلة كما أشرنا من قبل إلى أن نوحا هو نبي توحيد هذه الأسماء ، ولا توحيد دون توحيد هذا التضاد الكوني الواقعي. فما هو باق من عالم العيان هي تلك الأسماء المسماة الأعيان الثابتة ، وثبوتها من أزليتها ، وهذه الأسماء هي أساس فلسفة أفلاطون القائل : إن الصورة بدء الخلقة. فالبقاء للعين ، والفناء للأعيان الظاهرة.
٤١ ـ (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١))
[هود : ٤١]
بسم الله هو اسم الله الأعظم ، وهو الروح الفاعل أول خلق الله. والمجرى حركة الفلك المحيط بعد تكوكبه وتكثفه من السديم الذري اللطيف الذي هو بدء ظهور النور الإلهي. والمرسى الإيواء إلى الاسم نفسه بعد التحريك ، إذ التحرك منه إليه ، ولهذا قلنا إن النفس ذات أصل إلهي ، وما هي إلا مرآة ومستودع وشاشة لعرض قوى الوجود وعلومه.
٤٢ ـ (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢))
[هود : ٤٢]
الموج حركة الأسماء الدافعة لأشباح العيان. فما تحرك متحرك إلا بداعية من اسمه القاهر فوقه منذ بدء تخلقه. وما هذه الأمواج الظاهرة سوى التعبير عن وجود الأعماق الساكنة تحتها والتي هي أصلها ، ومعلوم أنه لا يمكن فصل الموج عن البحر ، فهو موجه ، وموجه هو ، وما عالم الظهور سوى تحرك ما هو ساكن.
ونداء نوح ابنه نداء الاسم الأعظم ممثل الاسم الجزئي ، وللأمر لطيفة ، فأنت تقول أنا ، وأنت جزء من كل ، ويعرف هذا بالفلسفة بالجزئيات والكليات ، فالإنسان ممثل النوع ، والنوع