وقوله : (وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) إشارة إلى علوم الروح الملقحة لعلوم الدماغ ، وهذا ما تعتمده الفلاسفة القدامى القائلين : إن العقل الفعال هو الذي يقوم بتعليم الإنسان حتى وإن كان يعتمد علم المنطق والأساليب النظرية العلمية التحليلية.
وقوله سبحانه : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) إشارة إلى عودة الأعيان الثابتة إلى ما كانت عليه من طي قبل النشر ، ولكنها تكون قد تفتقت ، وأخرجت مكنونها ، فاستفاد الله منها علما ، وذلك بظهور ما في نفسه رتقا إلى نفسه فتقا.
٤٥ ، ٤٧ ـ (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧))
[هود : ٤٥ ، ٤٧]
ابن نوح نفسه الجزئية نفسها ، وقد رآها غارقة في البحر الوجودي الكبير ، وهذا مقام الفناء الذي يعيشه العارف لدى بلوغه إياه ، وفيه قال عليهالسلام : (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون ، ولو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله). وجواب الله إنه ليس من أهله إطلاع نوح على أن الأنا الجزئية ليست من الحقيقة في شيء ، إذ الحقيقة للكلي وحده ، وما الجزئي إلا ظهوره ومرآته. قال ابن عربي : النفس الجزئية متولدة من الطبيعة ، وهي أمها ، والروح الإلهي أبوها. وقال : وما الفخر إلا بالجسوم لأنها مولدة الأرواح ناهيك من فخر. وقال الجيلي : النفس الحيوانية تطلق على الروح باعتبار تدبيرها للبدن فقط.
٤٨ ـ (قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨))
[هود : ٤٨]
الهبوط بالسلام من السفينة العودة إلى البقاء ولكن بالله بعد الفناء فيه ، وهو مقام جليل يبلغه العارفون المحققون بعد أن يكونوا قد استبدلوا الكلي بالجزئي ، والأزلي بالفاني ، والحقيقي بالوهمي ، واللاهوتي بالناسوت البشري ، والصفات الإلهية بالصفات الإنسانية التي هي ميدان التناقض.
قال عبد الكريم الجيلي في المحققين : أهل القرب الإلهي الذين بنى الله أساس هذا الوجود عليهم ، وأدار أفلاك العوالم على أنفاسهم ، فهم محل نظر الحق من العالم ، بل هم محل الله من الوجود ، ولا أريد بلفظ المحل الحلول ولا التشبيه ولا الجهة ، بل أريد به أنهم