محل ظهور الحق تعالى بإظهار آثار أسمائه وصفاته فيهم وعليهم ، فهم المخاطبون بأنواع الأسرار وهم المصطفون لما وراء الأستار ، جعل الله قواعد الدين بل قواعد جميع الأديان مبنية على أرض معارفهم ، فهي ملآنة من أنواع اللطائف لهم ، لا يعرفها إلا هم ، فكلامه سبحانه عبارات لهم فيها إلى الحقائق إشارات ، ولأمره وتعبداته رموز ، لهم عندها من المعارف الإلهية كنوز ، ينقلهم الحق بمعرفة ما وصف لهم من مكانة إلى مكانة ، ومن حضرة إلى حضرة ، ومن علم إلى عيان ، ومن عيان إلى تحقق إلى حيث لا أين ، فجميع الخلق لهم كالآلة حمال لتلك الأمانات التي جعلها الله تعالى ملكا لهذه الطائفة ، فهم يحملون الأمانة مجازا إليهم ، وهؤلاء يحملونها حقيقة لله تعالى ، فهم محل المخاطبة من كلام الله ومورد الإشارات ومجلى البيان ، والباقون ملحقون بهم على سبيل المجاز ، فهم عباد الله الذين يشربون من صرف الكافور. فعباد الله مع الله على الحقيقة ، والأبرار مع الله على المجاز ، والباقون مع الله على التبعية والحكم فالكل مع الله كما ينبغي لله ، والكل عباد الله ، والكل عباد الرحمن ، والكل عباد الرب.
٤٩ ـ (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩))
[هود : ٤٩]
الآية تشير إلى أن في وسع النبي والولي أن يعلما الغيب من دون الناس. وهذا العلم هو الحياة على الحقيقة ، وما عداه جهل ، بل هو سبات ، بل هو موت.
٥٠ ، ٥١ ـ (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١))
[هود : ٥٠ ، ٥١]
قوله : (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) يعني أن مصب أنهار الوجود كلها في بحره هو ، وكل نظر إلى الخارج نظر إليه على التحقيق ، ومن لا يشاهد هذه المشاهد التوحيدية الجامعة فهو محجوب.
٥٢ ـ (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢))
[هود : ٥٢]
عودة إلى التذكير بأن العلوم التي يكتسبها الإنسان بفكره من العالم الخارجي هي قوة ، ومع هذا فإن في وسع الإنسان أن يزداد قوة إلى قوته هذه إذا ما تدفقت عليه أمطار علوم الروح.
٥٣ ، ٥٥ ـ (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ