بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥))
[هود : ٥٣ ، ٥٥]
الإصرار على التمسك بالمظاهر التي هي المعبودات من الأوثان وغيرها دون تجاوزها إلى من هو ظاهر بهذه المظاهر.
وقوله : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) يعني اعتماد قوانين السببية في الوجود وهي ظاهرة تاريخية ما زالت تحيا حتى زماننا هذا ، بل إنها لتزداد مع مرور الأيام قوة. وهذه الظاهرة هي التي شنّ عليها الإمام الغزالي ومن قبله الأشعري حربا عند ما أعلنا أنه لا يمكن اعتماد فكرة كون النار سبب الإحراق حتى وإن شاهدنا هذا ، وأن ما نراه ظاهرة طبيعية ، ولكل ظاهرة طبيعية سبب خفي هو الأصل ، وهو الفاعل الحقيقي وهو الروح.
٥٦ ، ٥٧ ـ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧))
[هود : ٥٦ ، ٥٧]
سبق وتحدثنا عن الدابة التي ناصيتها بيد الله عزوجل. والمفتاح قريب ، إذ لما كان الإنسان صاحب فكر ، ففي فكره يكمن الله وهو بالمرصاد كما أجاب الأعرابي لما سئل : أين الله فقال : بالمرصاد. فناصية الإنسان قلبه ، وقلبه فكره ، وفكره مجرى الخواطر ، والخواطر هي القبضة ، فالنتيجة أن الله هو الآخذ بناصية كل دابة ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، أي لا معبود إلا الله. فالكافر مثلا يستمع فكره ، ويحسب أن فكره له ، ويجهل أن في فكره عقلا يدير فكره ، فهو محجوب لحكمة مفادها أن يؤدي دور الكفر ليسهم في إبراز دور الإيمان ، إذ لا إيمان بلا كفر ، وأجمعت العلماء والصوفية الأعلام على أن مشيئته سبحانه شملت الطاعة والمعصية ، والكفر والإيمان ، واليمين والشمال ، وضرب ابن عربي مثلا لصراط الله المستقيم فقال : تعويج القوس للرمي عين صراطه المستقيم ، وقال أيضا الكل طائع وإن كان فيهم من ليس بمطيع مع كونه طائعا. وقال جلال الدين الرومي : نهر فكرك في انطلاقته لا تخلو صفحته من قش محبوب وقش قبيح الشكل ، فهذه القشور فوق صفحة هذا الماء الجاري قد أقبلت مندفعة من ثمار بستان الغيب.
٥٨ ، ٦٠ ـ (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠))
[هود : ٥٨ ، ٦٠]