العلماء الجامعين النبي عليهالسلام الذي أوتي جوامع الكلم ، وشرع للناس ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم ، وسنّ لهم سننا ما تزال مشاعل الدروب حتى هذا العصر ، وكل ما أتى به النبي مستمد من مشكاته التي هي روح روحه. فروح النبي الكلية هي التي هدته أولا ، وعلمته ثانيا ، وهو لو لاها ما كان ليصبح عليما ولظل يتجر في مال زوجته خديجة كما كان بدأ.
وقصة تلقيح النخل معروفة ، فلقد مر النبي يوما على أناس يلقحون النخل فسأل عن ذلك فقيل له : يلقحونه ، فقال : ما أظن أن هذا يفيد ، فترك الناس إبار النخل أي تلقيحه ففسد ، لأن ما قاله النبي لم يكن مستمدا من وحيه بل من عنده أي من عند فكره.
٨٩ ـ (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩))
[يوسف : ٨٩]
تحدي الاسم العليم للأسماء الباقية وتعيناتها ، فلقد ظهر الرئيس فظلت له الأعناق خاضعين. وقوله : (وَأَخِيهِ) تذكير بأن الفكر إلهي ، وأنه قبس من إشعاع الفكر الكلي ، وأن ما يفتخر به العالم هو فضل وهبة من ربه. وقال اينشتاين : بصيرتنا الدينية هي المنبع الوحيد والموجه لبصيرتنا العلمية ، وقال أيضا : إن ديني هو إعجابي في تواضع بتلك الروح السامية التي لا حد لها ، تلك التي تتراءى في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع إدراكها عقولنا الضعيفة العاجزة ، وهو إيماني العاطفي العميق بوجود قدرة عاقلة مهيمنة تتراءى حيثما نظرنا في هذا الكون المعجز للأفهام.
٩٠ ـ (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠))
[يوسف : ٩٠]
حسن الختام الذي يكون للاسم العليم بعد أن نهج نهجا آخر يختلف عن نهج العلماء ، فهو يتبنون العقل وأساليبه ، وهو يتبنى الأخلاق وتهذيب النفس ، وكان التحدي عظيما في هذا المجال في زمن الغزالي حتى قيل : إن الإمام هو الذي حوّل مجرى تفكير عصره بإصراره على أن الأخلاق لا الفكر والمنطق هي الطريق إلى الحقيقة ، وكان صنوه الحديث الفيلسوف كانط الذي قال : العقل يعرف عالم الظواهر ، أما الأخلاق فهي الوسيلة إلى معرفة الشيء ذاته.
٩١ ـ (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١))
[يوسف : ٩١]
قال الإمام علي كرم الله وجهه : (اليمين والشمال مظلة وقيل مضلة والطريق الوسطى هي الجادة). فالإنسان سجين اسمه حتى وإن كان من أصحاب اليمين ، ولهذا أهابت الصوفية بالعابدين ألا يقفوا عند أبواب الجنان ، وحفزوهم على طلب جنة القرب ونيل مقام نبيهم وهو المقام المحمود ، وهذا ما عبر عنه إخوة يوسف قائلين : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا).