وقولهم : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) إشارة إلى تمسك صاحب الاسم باسمه فيأخذ المحسن العجب من إحسانه ، وكذلك العابد والذاكر ، وأخوف ما تخافه الصوفية على المؤمنين العجب الذي هو داء وحجاب يحجب الإنسان عن الله.
٩٢ ـ (قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢))
[يوسف : ٩٢]
إعلان المغفرة والرحمة العامة ، وهذا ما فسره ابن عربي في الفتوحات حين قال : إن الله بشر بالرحمة في البسملة بقوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة : ال] فما ذكر الغضب ولا العذاب ولا النار فأساس الوجود رحمة عامة شاملة غير ذات حدود.
٩٣ ـ (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣))
[يوسف : ٩٣]
القميص النور اللطيف الذي كان مكنونا في قلب يوسف ، فشع وانتشر بعد أن حصّل يوسف علم الأسماء وصار عارفا بالله عالما إلهيا ممثلا لاسمه العليم ومرآة لله عكست الأنوار الإلهية والصور الإلهية وصور العلوم الإلهية. وبحدوث هذا الإشراق عاد البصر إلى يعقوب الروح. وللقول لطيفة فصلت الصوفية الكلام فيها باعتبار الإنسان ظهور الله ، والله المتجلي فيه وبه وله ، فلو لا الإنسان لظل الروح مطويا كما كان ، فهو بمثابة فاقد البصر لعدم وجود الآلة ، والإنسان هو الآلة والجارحة ، وبه وعن طريقه تحقق وجود أسماء الله وصفاته وهي كونه سميعا بصيرا ... إذ من يكلم الله ويوحي إليه لو لم يكن الإنسان هو المكلّم والمحدّث؟ ومن أي جهة يسمع الله لو لم تكن النجوى الذاتية هي محل السمع ، فيكون الله الموحي والسميع؟ ومن يرى الله وهو الوحدانية الصرفة لو لم يكن الوجود الحسي هو مجال رؤياه ورؤيته؟ فالأمر مرتبط بكون الوجود محلا لإشعاع الروح ومطارح لتلك الأنوار. قال جلال الدين الرومي : خيالي مقيم في قلب السلطان ، وبدون خيالي يكون قلب السلطان سقيما.
٩٤ ، ٩٥ ـ (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥))
[يوسف : ٩٤ ، ٩٥]
قوله : (فَصَلَتِ الْعِيرُ) إشارة إلى انفكاك العارف من أسر الوجود الظاهري ، إذ كنا قد قلنا : إن العير هي الكثرة فالفصل انفصال عن عالم الكثرة للإلتحاق بعالم الجمع والوحدة وهذا ما عبرت عنه الآية بقول يعقوب الروح : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ).
٩٦ ، ٩٨ ـ (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ