مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨))
[يوسف : ٩٦ ، ٩٨]
قوله : (أَلْقاهُ) يعني إلقاء القميص على الوجه الذي هو الوجه الجامع أي الذات الجامعة للحق والخلق ، فالقميص صار شاشة رسمت فيها الصور التي كانت صورا بالقوة ، أو كما يقال بلغة الهندسة : مشروع صور أو تخطيط يسبق التنفيذ. فبعد فتق الرتق نشرت الشاشة ، فرأى الله في شاشة نفسه وجهه أي اسمه الظاهر في عالم الظواهر.
٩٩ ، ١٠٠ ـ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠))
[يوسف : ٩٩ ، ١٠٠]
دخول مصر دخول مدينة البدن .. أي أن الأسماء الإلهية داخلة في الجسم الكلي الوجودي الحسي العياني ، ورفع الأبوين على العرش رفع الروح والنفس الكلية على عرش الوجود الظاهري ، وهذه نتيجة لمقدمة قديمة وهي كون الأبوين أي الروح والنفس الملكين حقا ، فمن جهة فالروح فاعل ، ومن جهة فالنفس منفعلة ، وليس في الوجود إلا فاعل ومنفعل. فما فعله يوسف برفع أبويه على العرش ليس إلا حاصل الكشف العلمي عن حقيقة هذا الوجود الذي حارت العلماء في معرفة محركه وواضع قوانين المادة ونظام الأجرام والطبيعة.
١٠١ ، ١٠٤ ـ (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤))
[يوسف : ١٠١ ، ١٠٤]
قوله : (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يعني وصول العبد إلى مقام العبودة الذي فصلنا الكلام فيه قي كتابنا «النصوص في مصطلحات التصوف». والعبودة كون الإنسان المصطفى المختار ليكون الواحد الفرد مرآة الأحد القهار. وفسر عبد الكريم الجيلي معنى الولي فقال : إن الله هو الولي ، ولما كانت التسمية تشمل المخاطب والمخاطب أي الله والإنسان فلقد فني هنا الإنسان ، وبقي الله وحده الذي يكون وليا باعتباره المخاطب ووليا باعتباره المخاطب ، ولهذا قالت الصوفية : سبحان من يكلم نفسه بنفسه في أعيان خلقه. فعلى ذروة الهرم لا يبقى إلا الله واسمه العليم لأنه ما من صفة تتبع صفة الحي القيوم إلا العلم فبانتشار هذه الصفة المطوية