ظهر الإنسان الإلهي المخلوق على صورة الرحمن ، والذي هو ظهور الله ، ولهذا جاء في الحديث القدسي : (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك). فليس في الوجود من حي سوى الحي بذاته وآدم العلم المصطفى أزلا لاحتلال هذه المرتبة القدسية العلوية الإلهية.
١٠٥ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥))
[يوسف : ١٠٥]
ما من آية إلهية في الوجود أعظم من آية الفكر ، ولهذا ألحت الأنبياء والصوفية على ضرورة معرفة الإنسان نفسه. فالنفس ، وهي الصورة الإلهية هي المحل الذي يمارس الحق فيه حواره الذاتي الأسمائي ، ولهذا نبه سبحانه على عظمة وقيمة قلب ابن آدم قائلا في الحديث القدسي : (ما وسعتني السموات والأرض ولا الجبال ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين). وفي الحديث : (قلب المؤمن من عرش الله).
١٠٦ ـ (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦))
[يوسف : ١٠٦]
المعنى أن الكثرة تمارس الحوار الذاتي مع جهل سره الدفين. ولو علم الإنسان سر حواره هذا لعلم أين الله القائل في موضع آخر : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١) [الذّاريات : ال]. ولهذا جاء في الآية أن معظم المؤمنين لا يؤمنون إلا وهم مشركون ، أي يشركون أنيتهم وفكرهم في الوجود الذاتي الإلهي وينسون أين الله وكيف اتخذ قلب الإنسان إلهاما ونجوى.
١٠٧ ـ (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧))
[يوسف : ١٠٧]
الساعة وعذاب الله إشارة إلى الكشف الذي يؤدي إليه الذوق العرفاني فإذا عالم الإنسان خراب يباب كسراب يحسبه الإنسان ماء ، فإذا جاءه لم يجده شيئا ، فليس في هذا الوجود الظاهر إلا اسم الله الظاهر ، وأما الظاهرون فمصطلمون.
١٠٨ ـ (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨))
[يوسف : ١٠٨]
البصيرة النور المجعول في القلب حيث لا يكون القلب سوى مستقر ومستودع لهذا النور. وما الحج وطقوسه وشعائره ، والطواف حول الكعبة ، والكعبة ذاتها ، والحجر الذي فيها ، ومقام إبراهيم عليهالسلام الذي يجاورها ، وجبل عرفات ، ما هذا كله إلا إشارات إلى الحقيقة التي دعا إليها الأنبياء والعارفون الذين تفتحت بصائرهم ، قال صلىاللهعليهوسلم : (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح الله قفل قلبه).