والجريان لأجل مسمى دورة الظهور ، وبدأت كما ذكرنا بتكثف الأجرام من الإشعاع الذري الذي هو طاقة لطيفة أولى ، واستمرت العملية ملايين السنين ظهرت خلالها معالم الحياة كعالم النبات ثم عالم الحيوان ثم عالم الإنسان. ومعلوم لدى علماء الفلك أن لهذا العالم أجلا هو بالغه ، ومتى استنفد العالم أجله عاد فتفجر وعاد إشعاعا ذريا كما كان.
(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣))
[الرعد : ٣]
كنا قد ذكرنا ابتداء مرحلة ظهور الاسم العليم الذي هو الإنسان الكامل الذي يمثل العالم بوجهيه الباطن والظاهر ، وإلى الوجه الظاهر أشارت الآية قائلة إن الله مد الأرض وجعل فيها رواسي ، والمعنى الباطن مثل رمز الكعبة فهي الإنسان كمظهر ، وقلبه كباطن لهذا المظهر ، ومثل هذا الباطن في الكعبة الحجر الأسود نفسه الذي وصفه صلىاللهعليهوسلم بأنه كان أبيض اللون إلا أن خطايا بني آدم سوّدته.
والرواسي الأعيان الثابتة من المعقولات التي يستند إليها الإنسان في علمه وتعلمه ، ومن دونها ما كان لآدم أن يحتل مكانته العظيمة في الوجود الإلهي.
والأنهار العلوم التي تجري من العيون المتفجرة من الرواسي ، وفي الطبيعة نجد مثالا لهذا ، فالجبال المغطاة بالثلوج هي التي تشكل أحواض المياه الجوفية التي تنفجر منها الينابيع فإذا كان الثلج هو الأصل فالينبوع هو النتيجة .. وكذلك الحال في عالم العلم المكنون في الذات ثم من بعد هذا ينتشر.
وقوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) يعني المعقولات المفتقة نفسها ، المتفق منها والمتناقض المضاد ، فهي جميعا زوجان اثنان ، وقوله اثنان فيه لطيفة ، إذ أن كلمة الزوجين تعني اثنين ، إذ الزوج مفرد شريطة أن يظل مقرونا بزوجه الآخر ، ولهذا يقال للزوج المتزوج زوج ولامرأته زوجة ، فإن طلقها فلا يسميان زوجين ، وورود كلمة اثنين بعد الزوجين إشارة إلى تثبيت الأسماء المزدوجة كالرافع الخافض ، والضار النافع ، والقابض الباسط ، إذ من المعلوم في عالم الأسماء أنه لا يجوز أن يسمى سبحانه الضار دون أن يقرن هذا الاسم بشطره النافع ، وكذلك اسم الخافض والقابض وقال السهروردي : لواجب الوجود من حيث الصفات من كل متقابلين أشرفهما. وقال صلىاللهعليهوسلم : (والشر ليس إليك) ، وذلك من قبيل الأدب مع الله.