٦ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦))
[الرعد : ٦]
قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) [الرّعد : ٦] يعني شمول الرحمة الموجودات التي وجدت بفعل الرحمة الموجودة لهم. وظلم الناس سببه فعل أسماء الجلال في الجانب الثاني من الوجود الأسمائي ، فلئن بدا ظلما في هذا الوجه فهذا الظلم ظلمات ، والظلم ظلمات يوم القيامة كما جاء في الحديث ، ويوم القيامة يوم الدين والشهادة حيث ترتد أسماء الجلال إلى الفيض الأسمائي الأقدس فإذا النور يقهر الظلام وإذا الظلام مفضض بالنور الإلهي ، وإذا للظلم دور متى أتمه انقلب نورا ، كما انقلبت النار بردا وسلاما على إبراهيم. فهذه التثنية ضرورية لبلوغ التوحيد.
٧ ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧))
[الرعد : ٧]
لا يرى الحق من حاجة إلى إنزال الآيات الربانية على النبي ، علما أنه قد فعل وأنزل آيات كثيرة على الأنبياء الذين سبقوه مثل موسى وعيسى ، والسبب كون النبي خاتم الدورة الزمانية الوجودية بظهوره بالذات فيها ، فيكون المتعين هو التعين نفسه ، والتعين اسمه الظاهر فيكون الحق قد ظهر بنفسه لنفسه باسمه الظاهر ، ولا حاجة للحق في أن يدل على نفسه بنفسه. فمن آمن للنبي قد آمن ، ومن كفر قد كفر ، ولن تفلح الآيات في رد تعينات الحجب المظلمة عن ظلامها ، إذ لا تبديل لكلمات الله.
٨ ـ (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨))
[الرعد : ٨]
الأنثى بمعنى النفس ، وما تحمل الأنثى هو ما تحمل النفس من اسم ، ولكل نفس اسمها ، والرحم مستودع النفس فهي عالم الطبيعة ، وما تغيض الرحم وتزداد إشارة إلى امتلاء وعاء كل نفس ونقصانه ، أما الإمتلاء فهو ما تحصله النفس من علوم عن طريق الفكر ، ومن معقولات ونظريات عن طريق العاقلة النظرية. والعملية هي ما وصفتها الفلاسفة القدامى بتحول العقل الفطري إلى عقل بالفعل ، وهذا ما أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم قائلا : (يولد المولود على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه) .. فلو لا خروج المولود إلى عالم الطبيعة لظلت صفحة عقله بيضاء خالية كشاشة من غير صور ، أو مرآة لا يرتسم فيها خيال ، قال الفارابي في معنى كون العقل بالقوة : هو تهيؤ لقبول الشيء وضده ، وقال في معنى كون العقل بالفعل : كل نوع يحصل