١٩ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩))
[الحجر : ١٩]
الموزون المحسوب حسابه في ميزان التوازن البيئي الوجودي ، فلو أن الإنسان فعل ما يحلو له لأخل بتوازن الوجود وهذا معنى قوله سبحانه في موضع آخر : (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) [المؤمنون : ٩١] ، فما من لعب بالميزان ، وما من يد تزن به إلا اليد النورانية القاهرة.
٢٠ ، ٢٢ ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢))
[الحجر : ٢٠ ، ٢٢]
الرزاق هو الله ، والرزق المدد القيومي للحياة بجميع أشكالها ، والوجود كله رزق ، رزق ظاهري كما يرى في الحياة العيانية ، ومثل هذا دورة الرزق المائي حيث أمد الله الأرض بسماء المحيطات ، ثم جعل هذه سحابا ، فساقه بالرياح إلى البر ، فأنزله مطرا سقى الأرض فأحياها ... وهناك الرزق الباطني إذ جعل الله للحيوان مثلا غريزة يهتدي بها ويتغذى ويتناسل ، كما جعل لكل حيوان رزقه ، كأن تكون الحيوانات الأليفة رزق الحيوانات المفترسة ، وأن يكون النبات رزق الحيوانات المفترسة والأليفة ضرورة لتحقيق التوازن الطبيعي.
وهناك الرزق الروحي حيث ميز الإنسان عن بقية المخلوقات بالفكر ، فجعل الله الذات الناطقة ، وهي لطيفة إلهية لها على الوجود الخارجي إطلالة من الحواس ، ولها على العالم الروحاني إطلالة من الحس والوجدان ، ثم جعل لكل مخلوق رزقه من هذا العالم ، فرفع هذا وأخفض ذاك ، وأعز هذا ، وأذل ذاك ، وهدى هذا وأضل ذاك ، وفعله كله موزون محكم غايته إعمار الحياة وتعرفه سبحانه إلى خلقه.
٢٣ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣))
[الحجر : ٢٣]
الإحياء نفخ الروح في الجماد ، فإذا هو حي ، ولقد ثبت علميا أن الجنين لا يكون حيا ، بل هو علقة فمضغة لا غير ، ثم تدب فيه الحياة حين بلوغه أشهرا من العمر ، فمن غير مدد الاسم الحي فليس للحي أن يحيا ، فالحياة سر اسمه الحي ، وهذا الاسم بحد ذاته إعجاز ضربه الله مثلا بقوله في موضع آخر : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦] ، فعلى الرغم من كل ما بلغه العلم من تقدم فهو عاجز عن خلق بعوضة.
والإماتة استرداد الروح من الهيكل فإذا هو ميت ، ولقد حاولت العلماء أن يضعوا أيديهم على سر الحياة فعجزوا ووقفوا أمام هذا السر حيارى خانعين ، فالله هو الذي يحيي ويميت.