وقوله : (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ ،) يعني أن لله مصير الحياة والموت ، والمصير الحركة اللولبية الوجودية الداخلة الخارجة المبتدئة المنتهية بلا بداية ولا نهاية ، والهدف إخراج مخزونات الصفات العلمية الإلهية وجعلها مرئية ، ولما كان الرائي جزء وهو حلقة من سلسلة الحياة نفسها ، أي أنه هو نفسه حي ثم يموت ، فإن الحصاد النهائي هو لله عزوجل ، فهو الذي خلق النفس ومدها بالقوى والمعقولات ، فإذا استوى الزرع ، ونضج ، وآتى أكله ، رجع الجزء إلى الكل ، أي رجع الإنسان إلى الروح الكلي ، فإذا الله وارث الأرض ومن عليها ، وإليه تصير عاقبة الأمور ، ولما كانت النفس صورته ومرآته كان هو المشاهد نفسه بنفسه عن طريق السامع حديثه بنفسه عن طريق آذان خلقه ، سبحانه هو الملهم السميع البصير.
٢٤ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤))
[الحجر : ٢٤]
المستقدمون الذين تقدموا الآخرين وهم أصحاب النور الإلهي ، ويعد كل واحد منهم أمة كما سمي إبراهيم أمة ، فهؤلاء يتقدمون أممهم وشعوبهم وهم ملوك الناس وإن ظلوا مخفيين.
والمستأخرون الوجه الآخر من هذه العملة الوجودية ، وهم الظلال ، ولا بد لكل حقيقة من أن يكون لها ظلها ، وللشمس ظلالها ، وللمخلوق ظله ، وللاسم ظله هو شطره السلبي النقيض ، والله يعلم هؤلاء وهؤلاء لأنه هو الذي قسم بين الناس معيشتهم وأرزاقهم من الرزق الباطني والظاهري.
٢٥ ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥))
[الحجر : ٢٥]
الحشر دائم وهو كون القلب في القبضة ، وإذا كان القلب الكلي في القبضة فالقلوب الجزئية هي بالتالي في القبضة يوحى إليها ، وتلهم فجورا وتقوى ، فالحشر معنى كونه تعالى القاهر فوق عباده والآخذ بنواصيهم.
٢٦ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦))
[الحجر : ٢٦]
خلق الإنسان من رحم الطبيعة ، وخلقت الطبيعة في رحم النفس الكلية ، وخلقت النفس الكلية في رحم العقل الأول ، وخلق العقل الأول وهو الروح صدورا من الله وفيضا.
والمهم أن الإنسان كان بعد الطبيعة ، ولهذا قالت الصوفية : إن النفوس الجزئية ما خلقت إلا بعد تسوية الجسد وهو جنين في بطن أمه ، وهذا ما عبر عنه الحديث الشريف : (إذا بلغ الجنبين أربعة أشهر بعث الله إليه ملكا ، وقال له أكتب رزقه وأجله وعمله وشقي هو أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح).
وعلى هذا فالنفس الجزئية مرتبطة بوجود العالم الطبيعي ولا انفصال لها عنه ، ولهذا قيل :