إن النفس الكلية لا وجود لها إلا كتجريد ، وأنها ليست إلا مجموع النفوس الجزئية ، فالأمر بين ظاهر وباطن ... فظاهرا هناك الطبيعة والجسم الكلي ، وباطنا هناك النفس الكلية التي هي جماع النفوس الجزئية ، وعليه فالنفس موجودة ما وجدت الطبيعة ، فإذا زالت الطبيعة زالت النفس ... ولا يفهم من هذا القول إننا نقول بالنفوس الطبيعية لأن الطبيعة نفسها في منظور الصوفية ليست إلا نورا ، وهي اسم الله الظاهر ، وهي ذرات كهربائية موجبة سالبة لا غير كما أثبت العلم الحديث.
٢٧ ـ (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧))
[الحجر : ٢٧]
الجان الفكرة ، والفكرة جسر بين العالم الكثيف والعالم اللطيف ، ولهذا وصف الجان بأنه خلق من نار السموم ، والسموم النار التي لا دخان لها ، فيستدل من الوصف على شفافيتها علما أنها نار أيضا أي أنها من العناصر ، فالفكرة النقل من الكثيف إلى اللطيف ، وما وجد الإنسان إلا ليكون متكأ ، عليه يتكئ اللطيف والكثيف.
٢٨ ، ٣٠ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠))
[الحجر : ٢٨ ، ٣٠]
شرف الإنسان بالذات الناطقة ، وهي لطيفة إلهية وصفت بأنها إلهية لأنه سبحانه هو الذي أضافها إليه بقوله : (مِنْ رُوحِي ،) وهذه الذات هي التي تقوم بدور الإلهام والوحي إلى الإنسان بالكلام ، وكلامها تسبيح لأنها تنطق عن الوحي الأعلى الذي هو عقل خالص ونور ، ووحي هذه الذات وإلهامها هو مشكاة الأسماء الآدمية ، ولهذا كانت الذات الناطقة جامعة ، توحي إلى المخلوق وتلهم حسب المحل وبمقتضى الاسم الذي هو الجزء من الدائرة الكلية ، فالذات توحي في القلب عبر بوق الاسم ، ولهذا كان كل إنسان موحى إليه وملهما فجورا كان أم تقوى.
وهذا التشريف الإلهي بأن يكون آدم هو المصطفى للتكلم الذاتي هو الذي رفع آدم فوق الملائكة لأن كل اسم ملك ، والاسم جزئي ، والجزء لا يحيط بالكلي ولا بالجزئي مثله ، ولا بالجزئى النقيض ... أما آدم فهو ممثل النوع الإنساني الجامع ، فهو متقدم على الملائكة لكونه في عين الجمع.
٣١ ، ٣٤ ـ (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها