سلبيا ، وأن الله حين كلفه بالإغواء إنما جعل الشر إليه ، والشر ليس شرا إن أفضى إلى الخير.
وقول إبليس : إلا عبادك منهم المخلصين ، يعني أن إبليس قاهر فوق القلب حتى يصطفي الله من عباده عبادا يصطفيهم ويصنعهم على عينه ، فيصبحون عبيدا له مربوبين مكاشفين بحقيقة دور إبليس فإذا هم مبصرون ، وإذا هم قد نجوا من طغيان إبليس ، إذ بنور الله يطلع المراد المصطفى كشفا على حقيقة دور إبليس فيسلم من إغوائه كما سلم النبي صلىاللهعليهوسلم من قرينه من الجن ، وكما سلم موسى وعيسى وهارون عليهمالسلام.
٤١ ـ (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١))
[الحجر : ٤١]
الصراط ما كتب الله على نفسه في الأزل من إخراج ذخائر الأسماء عن طريق أصحاب الشمال وأصحاب اليمين ، ثم لا يمين ولا شمال بل أحد واحد صمد فعال لما يريد.
٤٢ ، ٤٤ ـ (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤))
[الحجر : ٤٢ ، ٤٤]
الأبواب السبعة قوى الفكر كالخيال والذاكرة والوهم والظن والقياس والاستدلال والاستنتاج ، وهي كلها مبعدة عن الله ما لم يقربها الله إليه ، وبعدها جهنم كما أسلفنا الكلام من قبل ، فلا قبل للفكر على الاستدلال على وجود الله وفعله ما لم يشرف نور الإيمان في القلب ، ولهذا رفض كانط إثبات وجود الله بالأدلة العقلية ، وقال : إن العقل يستطيع أن يثبت وجود الله بالأدلة ، ويستطيع أن ينفي ذلك أيضا.
وقوله : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ،) يعني كون هذه القوى لها عبيد لا يستطيعون من أسرها فكاكا ولا عنها حولا ، فما يظن الكافر أنه من فعله هو من فعل القوى فيه ، فإذا أراد الله له الكفر حجبه ، فكفر عن طريق خياله وظنه ووهمه وفكره وقياسه واستدلاله واستنتاجه ، وإلى هذه الحقيقة أشار كانط أيضا قائلا : إن الإنسان لا يستطيع النظر إلى العالم الخارجي إلا من خلال منظار المقولات أي الأفكار القبلية ، وإن هذه المقولات هي الحاكمة للإنسان ، فمثل الإنسان كمثل من يضع على عينيه نظارة زرقاء ، فيرى الدنيا زرقاء ، ولا يستطيع أن يراها كما هي ، فالحكم من الداخل وفيه عودة إلى القبضة وفعلها.
٤٥ ، ٤٦ ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦))
[الحجر : ٤٥ ، ٤٦]
الجنات والعيون هي علوم اليقين والتوحيد المؤدية إلى السّلام والأمن من فعل التناقض والازدواجية ، قال فريد الدين العطار : يا من حار في حوت النفس ، حتام تريد أن ترى عداوة النفس؟