٤٧ ، ٥٠ ـ (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠))
[الحجر : ٤٧ ، ٥٠]
الغل حادث بسبب مجابهة الأنا أنا أخرى إما بسبب العداء أو الحرب أو المجاهدة ، والحاصل الغل والحقد والضغينة والشنآن وهذا مشاهد في الحياة اليومية بين الناس ، فكيف يستطيع إنسان أن يدير خده الأيسر لمن صفعه على خده الأيمن كما أوصى المسيح؟ وكيف قال النبي صلىاللهعليهوسلم لمشركي قريش بعد أن دخل مكة : (إذهبوا فأنتم الطلقاء) ، وكان فيهم هند ابنة أبي سفيان التي قال لها النبي صلىاللهعليهوسلم : أهند آكلة الكبود؟ فقالت : أنبي وحقود.
والحقيقة أن الموحدين وحدهم هم الذين يقدرون على عيش هذه المواقف ، والله سبحانه هو الذي نجاهم من نار الأحقاد والضغائن إذ أطلعهم كشفا على سر التناقض ، فوردوا عين اليقين ، وشربوا ماء علومه ، فشفيت صدورهم مما رأوا ، وما رأوه هو أن القضاء خيره وشره من الله تعالى ، وأنه هو القائل سبحانه في الحديث القدسي : (أنا الله لا إله إلا أنا ، خلقت الشر وقدرته ، فويل لمن خلقت له الشر وأجريته على يديه).
والسرر الصفات ، فلكل إنسان سريره ، وسريره صفته ، وهو في السرير بحكم النائم ، ولهذا قال هيغل : إن النفس مرحلة أولية للروح ، وأن الروح هي نائمة أو في حالة نعاس ، والتقابل هو ما أشار إليه النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (الأرواح جند مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تنافر اختلف) ، فالإنسان يميل إلى من هو على شاكلته ، وقال الشاعر : إن الطيور على أشكالها تقع ، ويتم التقارب بفعل جاذبية باطنة ، فيتقرب الإنسان إلى آخر ، ويميل إليه حتى من قبل أن يتعرفه أو يتعرف إليه ، والنساء بخاصة أكثر قدرة على هذا الاستشعار ، ومثله في القرآن نسوة المدينة اللواتي ما إن رأين يوسف عليهالسلام حتى قلن ما هذا بشرا ، إن هو إلا ملك كريم ، فللإنسان إشعاع ، إشعاع الحضرة ، والعيون بخاصة مصابيح هذا الإشعاع ، ولغتها بليغة عالمية هي أبلغ من أي لغة وأبسط من أي لغة في الوقت نفسه.
٥١ ـ (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١))
[الحجر : ٥١]
ضيف إبراهيم هو مثل العبد الصالح الذي لقيه موسى عند مجمع البحرين ، فضيف إبراهيم الوحي الجبريلي الذي ظهر للنبي في الغار فقال له : (اقْرَأْ ،) وكنا قد تحدثنا عن الولادة الذاتية ، كما أوردنا قول هيغل : إن الروح تكون في حالة نعاس ثم تستيقظ ، ولهذا قلنا : إن الولادة ذاتية ، ففي كل روح روح هي روح الروح كما قال جلال الدين الرومي ، وفي كل عين عين هي إنسان العين كما قلت في كتابي الإنسان الكامل ، وهي أم الكتاب الجامعة لكل ذي عين.