٥٢ ـ (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢))
[الحجر : ٥٢]
الإنتقال من المفرد إلى الجمع بقوله : (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ،) إشارة إلى انتشار الروح الكلي المخلوق أصلا للانتشار ، إذ أن الذات المحضة غير قابلة للتكثر لأنها أصلا وحدة محضة ، ولهذا قيل : إن الذات تتكثر من قبل المعلولات ، والمعلولات الصفات وأعيان الصفات والإشارة الجامعة إلى الخواطر المتفرقة من عين الجمع مع قوى الروح.
فالإنسان معتاد سماع خواطره ، وخواطره شتى ومتناقضة حتى إذا أتى اليقين اتحدت الخواطر في خاطر جامع هو صاحب القبضة ، ولهذا فزع إبراهيم لما رأى ذاته الجامعة تستيقظ فيه ، وتعلن قائلة ها أنذا ، فإذا خواطره إيجابية وسلبية متفقة ومتناقضة قد اتحدت كلها في إلهام جامع بين الفجور والتقوى وإذا القلب أمام الواحد القهار.
٥٣ ، ٥٦ ـ (قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦))
[الحجر : ٥٣ ، ٥٦]
الغلام العليم الولادة الذاتية لإبراهيم حيث يخرج معلمه من باطنه ليعلمه عن طريق الوحي والإلهام ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له قفل قلبه).
وقول إبراهيم : (مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) دلالة على عجب إبراهيم للأمر الذي بشر به ، فالفكر استنفد ما عنده من إمكانات ، كما استوفى زكريا من قبل إمكانات فكره ، وكما بشر زكريا بغلام اسمه يحيى كذلك بشر إبراهيم ، وكما عجب زكريا عجب إبراهيم ، ويتساءل الناس ما العلم اللدني؟ وكيف يكون؟ وكيف يبلغ الإنسان الأربعين من عمره أو الخمسين ثم يبشر بعلم جديد إلهي يخرجه من الحيرة إلى الهداية واليقين ، ويكون له نورا يمشي به في الناس ، ويخرجه من الظلمات إلى النور ، ولكن هذا على الله هين ، فهو سبحانه خلق العقل الجزئي ، وعلمه ، وفتق قواه بواسطة العالم الخارجي وصوره ، وهو سبحانه قادر على أن يعلم الإنسان علما آخر يشق الحجب ، ويعرج بالإنسان في سماء الروح ، فيرى ما لا يرى ، ويسمع ما لا يسمع ، ويعلم الغيب ، ويجد جوابا لكل الأحاجي والمعضلات.
٥٧ ، ٦٤ ـ (قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤))
[الحجر : ٥٧ ، ٦٤]