التبشير بالحق نتيجة جمع الخواطر في خاطر جامع ، ففي هذا نجاة للقلب من شرك الأنا وجحيم التناقضات ، وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) يعني النفس الأمارة التي لا تكف عن الوسوسة ، ولكن القلب الذي كشف سر التناقض وسببه يسلم من هذا الأذى كما سلم عليهالسلام القائل : (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله سبعين مرة كل يوم).
٦٥ ـ (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥))
[الحجر : ٦٥]
الأهل الحواس الظاهرة والباطنة ، والسير في الليل السير على درب المجاهدات والمخالفات حتى يأتي الله أمرا كان مقضيا ، وقوله : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ،) يعني أن على السالك ألا يتردد أو ينكص على عقبيه بعد أن أذن الله له في دخول خلوة الغار ، وأجرى عليه المقدور ، إذ أن هذه سنة الله في الأنبياء والأولياء.
٦٦ ـ (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦))
[الحجر : ٦٦]
قطع الدابر بث الفوضى في قوى الجسم ومنها الفكر ، وقد شدد الإمام الغزالي في الإحياء على ما للصوم والصلاة وقيام الليل من دور في جلو مرآة القلب حتى أنه قال في الصيام عن الطعام : اسمع مني واكتف بالبلغة.
ولقد اكتشف الطب الحديث تأثير الصوم في الجسم ، حتى أن الأطباء اعتمدوا الصوم عن الطعام لا من الفجر وحتى غياب الشمس فقط بل أربعين يوما يكتفي الصائم فيها بالماء المحلى بالعسل ، فإذا هو الضرب من الصوم الذي عرفته الصوفية منذ قرون وطبقوه يأتي بالمعجزات ، فنشاط الإنسان يزداد ، ويقضي الصوم على كل مرض يكون في الجسم ، ويحس الإنسان كأنه ولد من جديد ، وتقل ساعات النوم ، ويصير التفكير أصفى والقلب أرقى.
٦٧ ، ٧٢ ـ (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢))
[الحجر : ٦٧ ، ٧٢]
أهل المدينة الأفكار التي تغزو الدماغ والتي تنظر إلى ما يقع في القلب وتسأل وتنتظر ، وقوله : (هؤُلاءِ بَناتِي ،) يعني بنات الأفكار نفسها كما يقال في اللغة ، والمقصود الصور من النساء والرجال كما قال صلىاللهعليهوسلم : (إن في الجنة سوقا ما فيه بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء ، فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيه) ، فليس من مدخل إلى الجنة العلم إلا عبر سوق الصور ، ولعظم شأن هذا السوق خلق الله عالم العيان فجعل من صور المعقولات صورا