والملاحظ أن كل صفة ، يتصف بها الإنسان يشارك بها الاخرين ، ويشاركه فيها الآخرون ، فلا معنى لكون الإنسان كريما إن لم تجد كفه بالمال لذوي الحاجات ، ولا معنى لكونه حليما إن لم يحلم عن السفهاء والجاهلين.
١١ ـ (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١))
[النحل : ١١]
الزرع الحنطة ، والمعروف لدى العامة قولهم الزرع جيد ، وهم يعنون الحنطة أولا وغيرها ثانيا ، والرسول عليهالسلام قال في الشجرة التي أمر الله آدم وحواء بألا يقرباها إنها الحنطة ، فالحنطة شجرة الحياة إذ من دونها لا يعيش الإنسان ... والمعنى أن من العلوم الإلهية علوما تخص الإنسان في معيشته وحياته اليومية ، وهذا هو القصد من علوم الشريعة التي نظمت حياة الإنسان الشخصية والاجتماعية والعائلية ، فالإسلام بخاصة الدين الذي أعطى الحياة اليومية حقها من الرعاية والسياسة والدراسة ، ولهذا السبب اختار العالم الأمريكي مايكل هارث النبي محمد صلىاللهعليهوسلم ليحتل المرتبة الأولى بين المائة الأوائل في التاريخ والميزان الذي وزن هارث هو أن تكون الشخصية التاريخية قد أحدثت أثرا في حياة الإنسان المادية والروحية ، وأن يكون صاحبها قد حقق للإنسانية التوازن النفسي الشخصي والاجتماعي الجماعي.
والزيتون هو من العلوم الإلهية الغيبية الذوقية ، إذ الملاحظ إنه سبحانه ضرب مثلا الزيتونة في موضع آخر قائلا : (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النّور : ٣٥] ، كناية عن الذات حين تشرق وتضيء لذاتها ، ولهذا نبهنا في كتابنا هذا على قيمة ما لدى الإنسان من كنوز العلوم الإلهية المخزونة والقابلة للاستخراج والانتفاع بها دنيا وآخرة ...
والنخيل يتبع الزيتون كما ورد ترتيبه في الآية ، والسبب ما جاء في سورة مريم إذ قال سبحانه : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥)) [الآية : ٢٥] ، ولقد وصف رسول الله صلىاللهعليهوسلم النخلة بأنها قريبة آدم ، وقلنا في وصفها إنها شجرة سماوية ما ورائية سمقت في سماء الروح فساقطت على النفس رطبا من العلوم الذوقية ، يراها زكريا العقل فيعجب من هذا الرزق غير العادي ، فيسألها : أنى لها هذا الرزق ، فتقول : هو من عند الله ، فالنخيل جني القطاف من شجرة الزيتون ، وهذا ما فعله إبراهيم نبي التوحيد حين وصل مقام البيت المعمور بملائكة المعقولات فجعل ينهل من علوم التوحيد ، ويسقي ، وسقياه الرطب من هذه العلوم.
والأعناب إشارة إلى أنهار الخمر الوارد ذكرها في موضع آخر ، وهي حصيلة العلوم الإلهية التي تفضي إلى الشرب من عيون الحب من الذات الإلهية ، والتي بها سمي الإسلام إسلاما ،