غير أيدي الفرسان ذو حدين ، ومعروف في الفلسفة أن منطق السفسطائيين متهافت عقيم.
٣٦ ، ٣٧ ـ (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧))
[النحل : ٣٦ ، ٣٧]
قوله سبحانه : (فِي كُلِّ أُمَّةٍ ،) يعني التوقيت الزماني ، وهو ما أشار إليه صلىاللهعليهوسلم بقوله : (إن الله ليبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) ، فحاشاه سبحانه أن يدع الناس حيارى في ظلمات البحر دون أن يهديهم ويعلمهم ، وتعليمهم يكون عن طريق إرسال هؤلاء المبعوثين من الرسل والعلماء ، فيكونون لسانه وترجمانه.
وقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) يذكر بخطابه سبحانه نبيه قائلا : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) [البقرة : ٢٧٢] وقوله إلى نوح : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ، والفحوى أن الدعوة إلى الإيمان قلبية لا عقلية وهي مشروطة ، بمشيئته تعالى في أن يكون في الأرض مهديون وضالون كما جاء في الفاتحة ، فالرسل لا تهدي إلا من يشاء الله له الهدى ، ولهذا جاء في موضع آخر قوله تعالى : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [النّور : ٥٤] ، فليس في قدرة أحد إلا الله أن يهدي إلى الله ، فهو سبحانه الهادي المضل.
٣٨ ـ (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨))
[النحل : ٣٨]
قوله سبحانه : (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ورد ردا على الضالين غير المؤمنين بالبعث بعد الموت ، والبعث بعثان معنوي وحسي ، والبعث المعنوي خاص بالأمة المحمدية المحققين المكاشفين أين الله ، وكيف يفعل ، وكيف يكون إلها في السموات وإلها في الأرض ، وهذا البعث هو القيام من نوم الغفلة ، أو البعث من موت الجهل ، والإشارة إلى أن الناس أموات وإن بدوا أحياء وذلك بسبب جهلهم ربهم ، ولهذ قال سبحانه في هؤلاء : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) [النّحل : ٢١] ... أما البعث الحسي الجسدي فهو يلي البعث المعنوي ، وفيه يعي المكاشف أن جسمه الجزئي جزء من جسم كلي ، وأن الناس جميعا وبقية المخلوقات والأجرام كلها يمثلون هذا الجسم الكلي الذي يموت ويبعث أي يتجدد في كل ساعة بل في كل نفس ، فهو ميت بذاته حي بالله ، فإذا بعث صاحب الساعة من مرقده رأى الناس يبعثون ،