وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤))
[النحل : ٦٣ ، ٦٤]
قوله سبحانه : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ،) أي الشيطان فيه نكتة ، ذلك أن للشيطان نصيبا من الأسماء ، وكنا قد ذكرنا أن له الاسم البعيد كما بينا الدور الذي يلعبه الشيطان بالتضاد وللتحريك ، فثم علاقة إذن بين كون الشيطان ولي بعض الأمم ، وكون هذه الولاية ذات أجل حدد باليوم ، فالدور الذي يلعبه الشيطان زماني متى انقضت مدته عادت الولاية إلى الله تعالى ، لأنه لا يصح أن يكون ثمّ ولي في الوجود سوى الله ، ولقد شرحنا تعريف إبليس في كتابنا «النصوص في مصطلحات التصوف» وبينا أن فلق المعقولات ذاتها هو الذي اقتضى كفر إبليس ، وإن هذا الحدث وجوبي لا مفر منه.
٦٥ ـ (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥))
[النحل : ٦٥]
قلنا : الأرض البدن ، وعليه فالبدن وصاحبه ميتان إلى أن يحييهما الله بالعلم ، فثمة فارق كبير بين أن تحسب جسمك ملكا لك ، خاصا بك ، أنت ربه ، ومحركه وباعثه والمتصرف في قواه وبين أن تتذكر أن لله الأبدان جميعا ، وسمى الله هذه الأبدان الدواب ، وسميناها الجسم الكلي ... والمهم التذكر أن لله الجسم الكلي ، مبينين كيف تكون آلاته وقواه تحت تصرف الإنسان ، ولكنها ليست هي الإنسان ، وأن الجسم شيء مخالف تماما للنفس وإن كان حاملا لها ، وأنه في جملته دابة من دواب الأرض خلقه الله وأهله ، ومنحه القوى من الحواس والغرائز ، وأن هذا السر هو الذي يجعل الإنسان ميتا في بدنه مادام يجهل سره ، فإذا عرفه بالتعليم الذوقي الكشفي حيي البدن وصاحبه وقاما بالله.
٦٦ ـ (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦))
[النحل : ٦٦]
الآية تأكيد ما قلناه في تأويل الآية السابقة ، واللبن الذي يسقيه الله الإنسان من الأنعام هو العلم كما أول الرسول اللبن في المنام إذا رآه ، والمعنى أن ثمة معنى في هذه الدابة الكونية ، والله قد خلق هذه الدابة الكونية لتحمل هذا المعنى ، ولهذا جاء في الآية : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) أي من بطنان الجسم الكلي المادي ، أي ما فيه من كنوز العلوم الإلهية التي أشير إليها بالكنز الذي أخفاه الله تحت جدار البدن ليأخذه يتيما المدينة كما ورد في قصة لقاء موسى عليهالسلام العبد الصالح.