٦٧ ، ٦٩ ـ (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩))
[النحل : ٦٧ ، ٦٩]
ضرب الله النحل مثلا للفكر في سعيه لالتقاط المعلومات بالحواس من جبال العالم المادي وبيوته كما تفعل النحل إذ تسعى بين الجبل والسهل لجمع رزقها من رحيق الزهر والورد لتحيله عسلا فيه شفاء للناس ... والإشارة إلى دور الإنسان في هذه الحياة وتميزه عن بقية المخلوقات بأنه حامل السر الإلهي العظيم ، ولقد بينا من قبل أهمية خلق العالم المادي ودوره في إخراج مضمون العلوم المرتقة المجملة ، كما بينا دور الجهاد في تفتيق المعقولات ، فخلق الإنسان ذو أهمية بالغة وهي معرفة الله تعالى بعبادته حق عبادته ، وعلى هذا يكون الإسلام هو الدين عند الله ، لأن ما يميز الإسلام عن بقية الأديان كونه الدين الجامع بين الدنيا والآخرة ، وبين السعي في الأرض ، والأكل من رزقها ، والتمتع بما أحل الله من زينة الحياة الدنيا دون الإسراف وبين معرفة دور الروح ومكانته في هذا العالم ، وكيف يكون الله باطن هذا الوجود الحي ، فالنصرانية اقتصرت على العالم الباطن والروح على حساب عالمي الظاهر والجسد ، واليهودية اقتصرت على عالم الظاهر فقط ... أما الإسلام فلقد كان خاتم الأديان بوصفه الدين الجامع بين الدنيا والآخرة ، والروح والمادة ، والأرض والسماء.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس أنه قال : نزلت الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (٨٧) ، وهي الآية الواردة في سورة المائدة ، نزلت في رهط من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعثمان بن مظعون وآخرون ، توافقوا أن يجبوا أنفسهم ، ويعتزلوا النساء ، ولا يأكلوا لحما ولا دسما ، ويلبسوا المسوح ولا يأكلوا من الطعام إلا قوتا ، وأن يسيحوا في الأرض كهيئة الرهبان فنزلت.
٧٠ ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠))
[النحل : ٧٠]
فسرت الصوفية قوله سبحانه : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ،) بأن أرذل العمر هو العمر الخارج على الزمان العادي ، وهو فلك يبلغه العارفون عند ما يغرقون في بحر الذات الكبرى كما قال البسطامي : طلبت ذاتي في الدارين فما وجدتها ، وعلى هذا فأرذل العمر هو اللاعمر