النفس شطران طابع ومطبوع ، ملهم ومستمع ، آمر ومأمور ، فاعل ومنفعل ، إيجابي سلبي ، فالإنسان هو الزوجان يحملهما في ذاته ، والزوجان آدم وحواء أبواه ، والأبوان كليان ، ومنهما خرجت الكثرة أزواجا وبنين وحفدة.
٧٣ ، ٧٤ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤))
[النحل : ٧٣ ، ٧٤]
الرزق السماوي هو الرزق على الحقيقة ، فالذين لا يعلمون يؤمنون بأن أرزاقهم من كسب أيديهم بما في ذلك الرزق العلمي العقلي ، والحقيقة أن الرزق إلهي وجودي يبدأ منذ أن تعطي الأم رضيعها ثديها ليشرب اللبن ، ومنذ أن تبدأ غريزة الحياة عملها فتجعل الرضيع يرضع ... ثم يتطور الأمر فإذا الرزق الإلهي مجسد في رعاية الوالدين للولد ، وهما يحيطانه بالعناية والحنان ، ويمدانه بأسباب العيش حتى يكبر ويبلغ أشده فإذا هو ذكر أو أنثى ولكل منهما دور حددته العناية الإلهية ، وحقيقته عن طريق الرزق ، والنبي قال : (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس) ، وقال : (كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك) ، فرحلة الإنسان كلها هي قطار يسير على سكة من الرزق الإلهي علم هذا أم جهل.
٧٥ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥))
[النحل : ٧٥]
العبد المملوك عبد الاسم ، وقلنا : إن لكل إنسان اسمه ، والناس سجناء الأسماء لا خيار لهم ولا فكاك ... فبهذا الترتيب الإلهي للوجود والتنظيم البياني للحياة استمرت الحياة ، ومن مشكاة هذه الحقيقة رفع الصوفيون شعارهم القائل إن الإنسان مجبور في اختياره ، إذ لا خروج لأحد على اسمه لأن اسمه حقيقته وصفته ، وصفته صراطه ، وصراطه خطه الفكري ، فكيف يخرج الإنسان على فكره وعن فكره إذا كان هو فكره؟ لقد اعتمد ديكارت الفكر وحده أساسا للوجود عند ما أطلق مقولته الشهيرة : أنا أفكر إذن أنا موجود.
فالناس إذن عبيد ، ولهذا سمي الإنسان عبدا ، وفي اللغة أن معنى العبد الإنسان ، فلا فرق لغويا بين الإنسان والعبد أو الإنسانية والعبودية.
ومن الناس من رزقوا من الله الرزق الإلهي الذي كنا تحدثنا عنه ، فهؤلاء نجوا من سجون الأسماء وأقفاصها ، وصاروا أحرارا ، وأجمعت الصوفية على تسمية هذا المقام العبدية وهو أعلى من العبودية العامة ، وهذا ما ذكرناه في كتابنا «النصوص» ، والعبد هنا حر حرية مطلقة يتصرف في الأسماء جميعا بحكم كونه خليفة الله في أرضه وعبده المتصرف بأمره ، فلهذا العبد