أيضا ، ولما كان الله خارج الزماكان ، والله القاهر فوق الزمان والمكان ، كانت الساعة بالمرصاد فأمر الساعة كلمح البصر باعتبار الحقيقة الإلهية باطن الوجود والفاعلة في الأشياء ، والزمان والمكان من آثارها المنفعلة عنها وعند ما ينتبه الإنسان من نوم الغفلة تكون ساعته قد دقت وهي الساعة الصغرى ، وتكون قيامته قد قامت وهي القيامة الصغرى باعتبار السالك الإنسان الجزئي الناظر إلى الإنسان الكلي حيث يرى من ثم أمر الساعة الكبرى والقيامة الكبرى ، ويرى الناس أمواتا يخرجون من الأجداث سراعا عراة.
٧٨ ـ (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨))
[النحل : ٧٨]
الأمهات الأعيان الثابتة والصفات الإلهية ، وجهل الإنسان هنا علم بالقوة ، إذ معلم الإنسان فيه لكون الحقيقة الإلهية فيه لا تغفل عنه والتي ترشده وتعلمه وتهديه وتجعله على صراط مستقيم ، قال سقراط : منذ طفولتي يلازمني وحي هو عبارة عن صوت يطوف بي ، فينهاني عن بعض ما أكون قد اعتزمت أداءه.
أما السمع والبصر والفؤاد فهي جسور بين باطن الإنسان وخارجه ، فالسمع سمعان جواني يسمع الإنسان فيه حديث قلبه ، وسمع خارجي يسمع الإنسان فيه صوت الحق الناطق على ألسنة المخلوقات.
قال الشبلي : لي أربعون سنة أكلم الله والناس يحسبون أني أكلمهم ، والبصر بصران أيضا بصر وبصيرة ، فالبصر النظر إلى الأشكال الخارجية بنور هو نور الروح وهو النور الذي يجعل العين تبصر ، وهدفه استخلاص المعقولات من المحسوسات.
أما البصيرة فهي الحدس العقلي الذي يستقبل الإنسان فيه المعقولات المقولات التي تنصب على الأشكال الحسية فتلبسها ثياب المعاني ، كأن ترى صفة الكرم في فعل الكريم ، وصفة الحلم في فعل الحليم ، والعملية ظاهرة باطنة ذكرها هيغل في موسوعته الفلسفية مبينا أن العالم الخارجي ليس إلا مجموعة كليات متعينة ، وأننا لو لا علمنا بهذه الكليات ما رأيناه شيئا من عالم الظواهر ، وإذا رأينا ما وعينا شيئا ، ولا أدركنا وهذا حال الحيوانات في العالم ، والفؤاد القلب الذي يمثل عالم البرزخ بين عالمي الظاهر والباطن والذي يمثل الإنسان شكله العام الخارجي ، فالإنسان ليس إلا قلبا ظاهرا له وجه إلى الروح حيث عالم العقل الخالص ، وله وجه إلى العالم المنظور حيث الحسيات والجزئيات والأشكال الهندسية وسيد هذا العالم القلبي آدم وهو من الأدمة أي السمرة ، والسمرة لون وسط بين البياض والسواد.