٧٩ ـ (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩))
[النحل : ٧٩]
الطير الأرواح الجزئية أو النفوس الجزئية ، وهن مسخرات في جو السماء لأن لكل نفس طبعها واسمها وأصلها وصراطها ، وقوله : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللهُ) يعني أن الله هو حافظ النفس وهو الذي يحفظ لها وعليها اسمها وطبعها وصراطها ، فترى الشجاع لا يتحول عن شجاعته وكذلك الكريم ... وثمة صفات هي في قيد التقلب كانقلاب المؤمن كافرا أو منافقا ، وانقلاب الكافر مؤمنا ، وانقلاب المنافق مؤمنا ، فهذا التقلب هو أيضا في قبضة الرحمن.
٨٠ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠))
[النحل : ٨٠]
قلنا : البيت البدن وقد يكون القلب ، فإذا كان القلب البيت فهذا البيت هو في بيت البدن ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً ،) أما الصوف والوبر والشعر فهي من مظاهر الجسم الكلي وإشارة إلى العالم الحسي حيث تخدم الظواهر بعضها بعضا ، فيخدم النبات الحيوان ، وتخدم الحشرات النبات وتقوم بتلقيحه ، ويخدم الحيوان الإنسان بتغذيته ، ويخدم الإنسان الله بعبادته وإظهاره ، فالوجود وحدة تامة كاملة متكاملة ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا.
٨١ ، ٨٢ ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٨٢))
[النحل : ٨١ ، ٨٢]
الظلال الأفكار ، فما من ساعة تمر بالإنسان أو هنيهة إلا وثمة أفكار تظله ، فأفكارنا ظلالنا لا تفارقنا وهي في النوم تبرز صورا ، والجبال الإيمان والعقيدة ، ولهذا وصفت هذه الجبال بأنها أكنان ، والكن ما يستر كالبيت والغار ، والإيمان بمثابة الكن يحفظنا من خواطر السوء والوسوسة ، ويسترنا ، ويحمينا في ساعة الشدة ، وهو ملجؤنا إذا هاجمنا اليأس والشك والخوف.
والسرابيل الصفات ، والإنسان في حياته معرض لضغوط لا حصر لها ، وهو نفسه مجموعة رغبات وشهوات ، ولا حافظ له من هذه الوحوش إلا سرابيله ، أي الصفات التي وهبه الله إياها ، قال عثمان رضي الله عنه لما طلب إليه التنحي عن الحكم : (لا أنزع سربالا سربلنيه الله) ، والسربال لغة القميص ، والقميص ما يلبس على الصدر أي مكان القلب ، ولهذا جاء في قصة يوسف عليهالسلام أنه لما كان في الجب أتاه جبريل بقميص ألبسه إياه ليحميه به ، وقيل إن هذا