القميص منسوج من حرير الجنة ، وقيل إن الإشارة إلى نور الإيمان والهداية والحفظ وإلى نور النبوة ... فالله حفظ الخلق بهذه السرابيل ، ولو أنه لم يحفظهم بالصفات ما استطاع أحد الصبر على أذى يصيبه ، ولا قوي على الصمود في ساعة الشدة ، ولا صد هوى ولا رغبة ، فالإنسان من دون سرابيل ربه ضعيف لا حول له ولا طول ، وهو بسرابيل ربه قوي يحقق المستحيل ، قال علي رضي الله عنه لما حمل باب حصن خيبر الذي يعجز عن حمله الرجال ذوو القوة : (والله ما حملته بقوة بدنية).
٨٣ ، ٨٥ ـ (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٣) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٨٤) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٥))
[النحل : ٨٣ ، ٨٥]
المعرفة هنا مستورة ، إذ كل معرفة يحصلها الإنسان يحصلها بالله وعن طريقه ، ولهذا قال ابن سينا في وصف دور الروح : الروح بذاته غير متصل بأجزاء البدن ، مفيد له ، مفيض عليه ، وأول ما يظهر نوره على الدماغ لأن الدماغ منظره الخاص ، فاتخذ من مقدمه خادما ، ومن أوسطه وزيرا ، ومن آخره خزانة وخزانا وحافظا ، ومن جميع الأجزاء رجالا وركبانا ، شبيه الملك والوزراء والرعية ، لا ملك له دونهم ، وهو موجود دونهم.
ولهذا كان الإنسان العارف عارفا بالله سواء أكان مؤمنا أو ملحدا ، ولهذا قال صوفي لفيلسوف وهو يحاجه : أنت أكل الخبز لا تعرفه ، أنت لا تعرف كيف تبول ، فالإنسان حين يريد أن يبول يصدر دماغه أمرا إلى المثانة فينفتح بوابها ، فيسيل البول ، والعملية تبدأ بأمر إنساني إرادي ... ويبقى السؤال كيف نقل الدماغ الأمر إلى الأعصاب ذات العلاقة ، وكيف تلقى الدماغ الأمر من الإنسان ، وهل الإنسان هو الدماغ كما يقول الماديون ، أم أن الدماغ آلة للإنسان كما يقول الماديون الديالكتيكيون ، أم أن الدماغ آلة للروح كما قال ابن سينا؟
والآية تقول إن الكافرين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ، أي أنهم ينعمون بنعم الله وآلائه من تفكير وحركة واستمتاع بطيبات الحياة عن طريق استخدام الحواس ظاهرة وباطنة ، ثم ينكرون هذه النعم وواهبها.
٨٦ ـ (وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ (٨٦))
[النحل : ٨٦]
الشركاء الخواطر ، وينكشف هذا السر لصاحب الكشف إذ يرى كشفا أن خواطره ليست هو أو من صنعه ، وأنها وإن كانت تفكر له إلا أنها ليست أياه ، وعند المكاشفة يحدث انفصال بين الإنسان وخواطره فيعلم علم اليقين أن الخواطر لله.