وقول المشركين : (هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) يعني أن المشركين جعلوا لله شركاء هم الخواطر ، ولهذا هجم الإمام الغزالي هجومه الكبير في كتابه «الإحياء» على القلب حيث شرح فعل الخواطر فيه ودورها ، وسمى هذا الفعل عجائب القلب مبينا أن الخواطر لله ، وأن القلب من عرش الله ، بل هو عرش الله ، وإلا فكيف يكون القلب في قبضة الرحمن يقلبه كيف يشاء؟
٨٧ ، ٨٨ ـ (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٧) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨))
[النحل : ٨٧ ، ٨٨]
السلم الاستسلام ، والاستسلام السّلام ، وقال ابن عربي : إن مقام الإحسان الذي يبلغه المؤمن هو الاستسلام ، ولما كنا بصدد الحديث عن مقام الجمع كان الناس جميعا مستسلمين كما جاء في الآية ، وإن لم يكونوا كذلك نازع الله في ربوبيته كل من قال أنا وأنا ، وكل من اعتمد فكره ، وأنكر الله ، فصار كل إنسان في الأرض إلها ، فعلى الحقيقة فالعباد عبيد مستسلمون علموا هذا أم جهلوا ، وإلا لما كان الله إلها.
٨٩ ـ (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩))
[النحل : ٨٩]
الشهيد تعين الإنسان الكامل أو الروح ، وهو تجسد دوري كنا قد تحدثنا عنه من قبل ، فظهور هذه الشموس حجة على العباد ، ليكونوا شهداء ، يبينون لهم صراط الله وطريقي النار والنور.
٩٠ ، ٩١ ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١))
[النحل : ٩٠ ، ٩١]
القول موجه إلى المسلمين المؤمنين المحسنين المتقين ، أي إلى أصحاب أسماء الجمال الذين اختيروا أزلا ليكونوا من أصحاب النعيم ، وصراط هؤلاء الاتصاف بالصفات الإلهية الجمالية وعلى رأسها العدل ، لأن الكون كله قائم على هذه الصفة التي تحقق التوازن بدءا من عمل أصغر الجراثيم وانتهاء بعمل أكبر الأجرام ، فما من ذرة في هذا الوجود العظيم إلا وقد حسب حسابها في ميزان العدل الكوني ، ألم تر إلى هجرة الطيور الموسمية ، وكيف اكتشفت العلماء بعض أسرارها ، وجهلوا بعضها الآخر ، ثم ألم تر إلى الوحوش كيف ترعى صغارها وتحميها وتبلغها مأمنها حتى إذا قويت هجرتها بل وعادتها ... ألم تر إلى قطة جائعة ظفرت