بقطعة لحم ، فأتت بها صغارها ووضعتها أمامها ، ثم جعلت تراقبها ، والقطيطات تأكل اللحم والأم جائعة؟
٩٢ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢))
[النحل : ٩٢]
كثير من الناس يرتدون بعد أيمانهم كفارا ، وضرب الله مثلا لهذه الردة ، نقض الغزل أي إفساده بعد غزله ، والعملية الفكرية في حد ذاتها غزل يغزل ويفضي إلى الإيمان بالله بعد التفكير في خلق السموات والأرض وفي آيات الله وفي النفس ، هذا إذا كان في الإنسان الاستعداد الفطري الذي فطر عليه ، والمرتدون يرتدون من بعد سير هذه الطريق الفكرية إلى الكفر وذلك بفعل تقلب القلب الذي هو ضرب من المكر الإلهي ، ولهذا كان قسم النبي صلىاللهعليهوسلم : (لا ومقلب القلوب).
٩٣ ، ٩٥ ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥))
[النحل : ٩٣ ، ٩٥]
الأصل الجمعية الأسمائية في حال الطي ، وهي المسماة اللوح المحفوظ قبل النشر ، وكان الناس في هذا الزمان الذي هو لا زمان أمة واحدة ، وكانوا كما قال جلال الدين الرومي : كنا جوهرا واحدا ولم تكن لنا رؤوس ولا أقدام ، ويكون المنطلق بعد نشر هذا الطي ، وهو فعل الانتشار الوجودي الذي يأخذ فيه كل اسم محله من الوجود ، والمحلات ، وهي الوحدات ، بطبيعتها متضادة متناقضة ، ولهذا اعترضت الملائكة حين علموا بخلق آدم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٣٠] ، فالرد الإلهي إن في التضاد لحكمة ، ولو لا وجود الحكمة ما خلق الله التناقض المسمى في العرف الديني فسادا ، وما تزال الأبحاث الفلسفية والنفسية والطبيعية تبين يوما بعد يوم الحكمة من التناقض والنقائض ، ولعل سيد من أبان هذه الحكمة من الفلاسفة هيغل الذي أثبت وأكد أن لو لا التناقض ما كانت الحياة ، ولئن كانت لما استمرت ، ولئن استمرت ما تطورت إلى ما هي عليه اليوم ، وإن في أحوال الإنسان لعبرة فلو لا الجوع ما كان الشبع ، ولا التذ جائع بالطعام ، ولو لا الإحساس بالإلم ما عرف المريض أنه مريض ، ولا قصد الأطباء ، وتعاطى الدواء ليبرأ مما به ،