ولو لا الكد والتعب ما ذاق المتعب طعم الراحة ولا تفيأ ظلالها ، ولو لا السعي إلى طلب العلا ، والعلا مطلب صعب ، ما وجد من نشد العلا الفرح والسعادة لدى تحقيقها ، فالشيء بنقيضه يوجد ولو لاه ما وجد ، ولهذا قال الإمام الغزالي : لو لا خلق البهائم ما عرف شرف الإنس ، ولو لا شح الأنفس ما خلد التاريخ كرم حاتم طيء ، فالله أضل وهدى ليدير عجلة الحياة ، ويفجر ينابيع الوجود.
٩٦ ـ (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦))
[النحل : ٩٦]
نفاد ما لدى الإنسان حقيقة سببها أن ما لديه محدود لأنه داخل في نطاق الكم ، وما يدخل في نطاق الكم ينفد ما لم يجدد ، أما الله سبحانه فهو خارج الكم وخارج الكيف ، والكم والكيف من خلقه ... ولهذا قلنا : إن صفاته مشعة عنه وصادرة مع أنها ليست هو لأنه سبحانه غني حتى عن صفاته وهذا ما أكده أفلوطين ، فلئن وجدت حقيقة في هذا العالم ، أي حقيقة ، فلقد وجدت بالله ، ولو لا الله ما وجدت ، ولو لا الله ما كان للعدل أن يكون عدلا ، ولا كان له مدلوله المعروف ، ولربما كان الظلم الشعار السائد والمسلم به والمعترف به كما يقال مثلا شريعة الغاب ، والحق للأقوى ، وما فاز باللذة إلا الجسور ، والكذب ملح الرجال ، فكل البدهيات المقبولة والمسلم بها على أنها بدهيات هي لله ، ولو لاه سبحانه لتبدلت القيم الخالدة ، ولما كانت خالدة ، ولطغى الظلم والشر والقسوة ، ولرفعت هذه الشعارات فصارت بدورها بدهيات ، علما أننا نلاحظ أن شعارات الحق والعدل والخير والجمال كانت وما زالت هي المقبولة ، يرفعها وينادي بها ويستغلها الظالمون والكفار والمنافقون.
٩٧ ـ (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))
[النحل : ٩٧]
جنس الجزاء من جنس العمل ، ويكفي أن يشرع الإنسان في فعل الخير حتى يبدأ في جني قطافه ، وهو شرح الصدر وسرور لا يوصف بالكلمات ، وهذه الحال هي ما أشار إليها سبحانه قائلا : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ،) وعلى العكس فإن فعل الشر يورث ضيقا في الصدر وقبضا ، وهذا حال يعيشه المنافقون والظالمون.
٩٨ ـ (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨))
[النحل : ٩٨]
الشيطنة هنا خواطر السوء والوسوسة ، وفعلها عند قراءة القرآن لفت الانتباه عما جاء في القرآن ، والملاحظ أن هذا الخاطر ينشط خلال ما يكون المصلي في صلاته أو في دعائه أو