التداخل بين الأجزاء هو الذي يؤدي بالتالي إلى نتيجة قد تجعل الحق سبحانه يعيد النظر في ما قال ، فيعد له ، أو ينسخه ، ويستبدل به قولا آخر يوافق المقتضيات ، مثل هذا ما حدث للنبي في معراجه حين أمره الحق بأن يصلي المسلمون خمسين صلاة كل يوم ، فلما رجع صلىاللهعليهوسلم إلى موسى وسئله وعلم موسى بالأمر قال له : (إرجع إلى ربك وقل له : إن الناس لا يطيقون) ، وظل النبي صلىاللهعليهوسلم يتردد بين الله وموسى حتى خفض سبحانه الصلوات من خمسين إلى خمس فقط ، والقصة تبين أن لله علما كليا بالطبيعة البشرية ، وله علم تفصيلي متطور قابل للمناقشة والمراجعة وإعادة النظر في ما صدر من أمر.
١٠٢ ـ (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢))
[النحل : ١٠٢]
روح القدس الروح الجامع للأرواح الجزئية فهو أبوها ، والأب والد ومولود والأمر ذو صلة بالعلم المقيد الذي تحدثنا عنه ، فما دام الروح هو المرافق للإنسان ، وهو معه بالمعية ، فهو يطرح شيئا ، ويرى مدى الاستجابة وإمكان التحقيق ، ثم يعيد الطرح مرة ثانية وثالثة ... وعن هذا الوضع قال الإمام النفري على لسان الحق : (كيف تيأس مني وفي قلبك متحدثي وسفيري؟) ولهذا ما عرفت الأنبياء والأولياء اليأس ، لأنه لا يأس مع وجود ذلك الروح الجامع الذي يرزق الدودة التي تكون في باطن الصخرة ، فينبت لها نبتة إلى جانبها لتقتات منها وتحيا.
١٠٣ ـ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣))
[النحل : ١٠٣]
طال الحديث منذ زمن النبي وحتى عصرنا الحاضر عن إلهام النبي ووحيه ومعلمه وتعليمه ... فمن لم يؤمن بالنبي كنبي قالوا إنه عبقري ، وما جاء به النبي كان إعجازا في كل شيء ، دنيا وآخرة ، شريعة ونظاما تربويا ونفسيا واجتماعيا وسياسيا ، فهذا النظام ظلت أعناق غير المؤمنين بالنبي كنبي له خاضعين.
والآية تتحدث عن لسان النبي العربي غير الأعجمي ، فمن حيث اللغة كان القرآن سيد اللغة العربية وحاميها على مر الزمان ، وكان مرجع العلماء والأساتذة طوال هذه القرون ، فلو لا القرآن ما عاشت العربية حتى عصرنا هذا ، والدليل اللغات التي كانت معها واندثرت كالآرامية والسريانية. فالقرآن والحديث دليلا اللغة ، ومن يأت بمثل من القرآن والسنة ، ومن يدرسهما ، فقد تعلم العربية وأتقنها.
وثمة إشارة تنفذ عبر كون القرآن لسانا عربيا إلى كونه من عطاءات جوهر الوجود الكلي