الثابت والأزلي ، وهو ما عبر عنه بالعربية التي تعد لغة عالمية تدخل في فلك الثابت والكلي ، فعطاءات القرآن تعالج الأصول قبل الفروع ، وترفع القواعد من بيت الإنسان من قبل أن تجعله يسكن هذا البيت ، فما يقوله الحق في القرآن لا يقبل المناقشة ، ولا يخضع لتبدل جذري لأن خالق الإنسان هو الذي يعلم الإنسان كيف يحيا ويتلاءم مع مشكلات الحياة ، وهذا أمر أكده الإمام متولي شعراوي رحمهالله في أحاديثه دائما حيث كان يقول : إن الإسلام دين الفطرة والحياة والفهم الواقعي لمتطلبات الإنسان واحتياجاته ، وعليه فلا يجب على المؤمن أن يخالف ما جاء به الدين من تعاليم ووصايا لأن الله أدرى بالإنسان منه ، وما يعرفه عنه لا يعرفه الإنسان عن نفسه ، فالله خالق والإنسان مخلوق ، وهو كلي والإنسان جزئي ، وهو كان ولم يزل إلها يعبد ، بينما الإنسان مخلوق ضعيف جاهل جاء إلى هذه الحياة ليتعلم ، فتعلم على أبويه ثم على معلميه ، ثم من مدرسة الحياة ... وما تعلمه الإنسان اليوم لم يكن بالأمس يعلمه ، وما يعلمه غدا قد ينقض علمه الذي علمه اليوم ، وهذا حال الإنسان منذ كان ، في حين الله عليم علام حكيم يعلمنا ما لم نعلم ، ولقد علمنا مذ كنا جاهلين.
١٠٤ ، ١٠٥ ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٠٥))
[النحل : ١٠٤ ، ١٠٥]
في الآيتين لفتة جميلة إلى صلة تعينات الأسماء بمن له الأسماء ، فبحكم وجود حجب الأسماء تبقي أسماء البلاء أصحابها في الظلام ، فكيف يؤمن بوجود الله من لم يؤمن بأن ما نزل على النبي هو وحي من عند الله؟ وكيف يؤمن بأن النبي نبي أصلا لا عبقري من العباقرة؟ فالنتيجة طبيعية بحكم التفريق المسبق بين أسماء الآلاء وأسماء البلاء.
١٠٦ ـ (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٦))
[النحل : ١٠٦]
انشراح الصدر بالكفر نتيجة للتوافق بين الصفة والموصوف ، ومن هذا المنظور قال ابن عربي : إن عذاب أهل النار عذوبة ، وقال : سمي عذابا لأنه يعذب في حال ما عند قوم لمزاج يطلبه.
فالتناقض الموجود في القلب هو من طبيعة المؤمنين ، وقد يكون للمنافقين نصيب من هذا التناقض كأن يكون بعضهم مذبذبين بين الإيمان والكفر وهؤلاء قال سبحانه فيهم في موضع آخر : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [الأحزاب : ٢٤] ، فمن كان ذا طبيعة تناقضية ، وعانى من انشطار ذاته ، وعاش بين النار والنور فهو من أصحاب اليمين ومصيره إلى الجنة لأنه