بالتناقض وحده ميز بين النار والنور وصار النوراني الطبع إلى النور ... ولهذا فرض سبحانه على الناس جميعا أن يردوا النار ، إذ النار هنا للتطهير ، إن كان القلب من أصحاب اليمين.
١٠٧ ، ١٠٨ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨))
[النحل : ١٠٧ ، ١٠٨]
الطبع قبل التطبع ، ويقال : الطبع تحت الروح ، وكتابنا «الإنسان الكبير» يدرس طبيعة الإنسان الفطرية والتي على أساسها تبنى حياة الإنسان ، ومن لم يكن له نور من ربه يمشي به في الناس لا يستطيع أن يفهم طبائع الناس ، والفلاسفة والأدباء والكبار والشعراء العظام أشد الناس حاجة إلى هذا النور الكشفي الذي يريهم الناس رؤية تمكنهم من كتابة أعمالهم الخالدة التي اشتهروا بها.
والأساس الطبع لا العكس ، لذلك فمن فهم أن الله جازى الناس على أعمالهم يكون قد قلب الآية ، وجعل الله قاضيا بين الناس ، وهذا مستحيل في حقه تعالى لأنه هو خالق الناس.
فالطبع على القلب والسمع والأبصار حدث قبل أن يخير الإنسان ، والخيار بخاصة يكون لمن كان من أصحاب اليمين ، وأهبط مثل آدم إلى أرض النفس الترابية ليمتحن ، ويميز الخبيث من الطيب تماما مثلما يفعل بالمعادن الثمينة حين تكون مختلطة بغيرها من المعادن ، أما المعادن الرخيصة فلقد وجدت لقضاء الحاجة وليقدّم الذهب والفضة ويحتلا مكانتهما المخصصة أزلا.
١٠٩ ، ١١٠ ـ (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠))
[النحل : ١٠٩ ، ١١٠]
آخرة الكافرين الخسران ، ولا خلود إلا للأعيان الثابتة أو لمن اتصف بصفات الجمال ، فأفضت به إلى عين الجمع ، حيث يصير الإنسان الكامل ، ويدخل في الخالدين ، فشعار البقاء للأصلح هو الصحيح لاشعار البقاء للأقوى ، والقوة الحقيقية هي المستمدة من قوى الأعيان الثابتة المشعة عن الحق ، فمن وصل مقام الجمع التحق بالملأ الأعلى وفني في البحر الكلي ، بحر الأنوار ، أما الكافرون فهم محجوبون أصلا ، ومحجوبون فعلا ، والهجرة هجرة الاسم العليم الذي أهبط من لدن الروح لطلب العلم ، ولما كان العلم يقتضي الجهاد لتفتيق المعقولات كما سبق أن بينا هذا في كتابنا «الإنسان الكبير» فالنتيجة أن طالب العلم مجاهد