وقوله : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) يعني ما يعانيه الفكر المستقبل الملحد حين ينفي قواعد البيت فيقع في مطب هوائي ليس له بداية إلا العدم ولا نهاية إلا العدم ، فالإنسان وجود مؤقت بين عدمين كما صرح بهذا الفيلسوف الوجودي سارتر ، وسبب الخوف المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان حين يرى نفسه الأسّ والأساس والمنبع والمصب ، وهذا ما بينته وسلطت الأضواء عليه الوجودية الملحدة التي جعلت الإنسان وحيدا في هذه الدنيا يعاني العبث واللاجدوى والخوف من العدم والعيش مع الآخرين أمثاله الذين قال فيهم سارتر : الجحيم هي الآخرون.
١١٣ ـ (وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣))
[النحل : ١١٣]
وجود الخواطر في القلب مثل وجود الجيوش في ميدان المعركة ، وكل خاطر يحاول السيطرة على القلب عن طريق الإقناع ، ولهذا يحيا الإنسان الحوار الذاتي قائما وقاعدا وعلى جنبه ، والآية ذكرت الرسول ، والرسول هنا إشارة إلى الضمير الذي يحاول في كل حوار أن يقنع القلب بمنطقة ، وتصف الآية حال الكافر الذي إن سمع صوت الضمير أعرض عنه ، فتكون النتيجة الاستجابة لخاطر النفس والوسوسة وكلاهما مصدر عذاب للكافر ولا يعلم.
١١٤ ـ (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤))
[النحل : ١١٤]
تتم الآية ما بدأته الآية السابقة وهو كون الضمير حلالا طيبا ، وهذه حقيقة نفسية ذاتية معاشة ، إذ صاحب الضمير مرتاح ، وضميره يهديه سواء السبيل في ظلمات هذه الحياة أو يجد حلول المشكلات والقضايا لما فيه خير الإنسان ، والضمير نعمة من الله إن آمن الإنسان به ، وإلا فوجوده وعدمه سيان إن لم يؤمن الإنسان به ، ولهذا تجد الكافرين يستهزئون بالضمير قائلين : إنه من صنع المجتمع ، وإن الأبوين والأقارب والمدرسة والمجتمع هم الذين يكونونه.
١١٥ ـ (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥))
[النحل : ١١٥]
كنا قد أولنا الميتة والدم ولحم الخنزير ، وفي الآية إضافة وهي حال الاضطرار ، فلا حرج على مضطر ، ولقد أسقط عمر رضي الله عنه الحد في عام المجاعة.