١١٦ ، ١١٧ ـ (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧))
[النحل : ١١٦ ، ١١٧]
الحلال بيّن والحرام بيّن ، وهما من المقولات الكلية الإلهية التي يجب على الإنسان قبولها دون مناقشة ، فالناس أجناس ، والمصلحة الشخصية تجعل من صاحبها عبدا لها ، ولهذا أنزل الله هذه الكليات التي هي بمثابة القواعد للبيت الإنساني ، والتي من دونها ما قام البيت أصلا ، ولئن أقيم لخر السقف من ثم على من فيه من فوقهم ، فلئن حرم الله الربا فلأن الربا سرقة ومرض خطير يؤدي بالمجتمع إلى الفتنة والفساد.
وتحذر الآية من أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا مشرعا للحلال والحرام ، فالإنسان جاهل لا يعلم ما الأصلح له ، وكم من مجتمعات وأفراد رفعوا شعارات تبين مع مرور الزمن عدم صلاحها لا بل وخطلها ، وهذا ما يؤكده التاريخ ، فالكليات القبلية ظلت رواسي شامخات مع مرور السنين ، وليس ثمة من يناقش مقولة قبلية كلية مسلما بها مثل كون الكرم خيرا وكذلك الشجاعة والتضحية والوطنية والحلم والصبر ، وكم من فلسفات رفعت شعارات وضعية مثل فلسفة القوة التي نادى بها نيتشه وتبنتها النازية ، والعنصرية التي كانت ولم تزل مرضا عضالا يميز بين الأبيض والأسود ، والأحمر والأصفر ، ويجعل من البيض مثلا آلهة حكاما مستثمرين ومن السود عبيدا مسخرين مظلومين لا حقوق لهم ولا مكانة ولا احتراما ، يقول بلزاك : عليك أن تطيع القانون العام في كل شيء دون أن تناقشه سواء أساء إلى مصلحتك أو أفادها.
١١٨ ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨))
[النحل : ١١٨]
في الآية إشارة إلى أهل الظاهر الذين يتمسكون بالقشور وينسون اللب ، والتحريم المذكور حرمان من النور الإلهي الذي يشق القشر وصولا إلى اللب ، وترى اليهود في كل زمان ومكان يوصفون بهذه الصفة حتى أنهم ما عرفوا من الرسالة التي جاء بها موسى سوى الطمع في أرض كنعان واحتقار الأمم وتسخيرهم من أجل تحقيق مصالحهم الدنيوية إلا من هدى الله منهم وقليل ما هم ، ويقول بلزاك أيضا : إن تفسير المجتمع بنظرية السعادة الضرورية المأخوذة بمهارة على حساب الجميع هو مذهب مشؤوم ، حيث تحمل الاستنتاجات القاسية الإنسان على الظن أن كل ما تفعله سرا دون أن يشعر القانون والناس بالضرر هو حسن أو مكتسب بالشكل المطلوب.
١١٩ ـ (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩))
[النحل : ١١٩]