فالذات الصرفة تكثرت من جهة المعقولات كما ورد في الفلسفة الصوفية ، وهذه المعقولات هي ما رمز إليها في قصة المعراج بسدرة المنتهى التي لها أوراق كآذان الفيلة والتي لها ثمر كالقلال ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت ، والإشارة إلى أن أنوار المعقولات مشعة عن النور الأصيل ، وهي فعالة بالنور الأصيل ، وهي بظهور النور الأحدي ظلال بل هي أشباح فاعلة في أشباح ... وهذا كله ما رآه النبي في معراجه وهو بصحبة الروح الكلي ، فلما وصل مطالع النور الأحدي تأخر الروح جبريل وقال لو تقدمت أنملة لا حترقت ، وجاء في القصة أن الله أوحى إلى رسوله ما أوحى ، وأمر المسلمين بأن يصلوا في كل يوم خمسين صلاة ، فنزل النبي صلىاللهعليهوسلم حتى وصل موسى عليهالسلام فسأله ما فرض ربك على أمتك؟ قال : خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، قال : إرجع إلى ربك واسأله أن يخفف فإن أمتك لا تطيق هذا ، وإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ... فرجع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ربه فقال أي رب ، خفف عن أمتي ، فحط عنهم خمسا ، فلما رجع النبي صلىاللهعليهوسلم إلى موسى ثانية سأله عما حدث وظل النبي يتردد بين موسى وربه فيقول موسى : إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فيحط الله عن النبي خمسا خمسا ، حتى قال النبي صلىاللهعليهوسلم أخيرا : لا والله لا أرجع ، وكان مجموع الصلوات خمسا في كل يوم وليلة.
والإشارة إلى صلة الحق بالخلق ، وصلة الخلق بالحق ، فالصلاة صلة ، ومعرفة الإنسان لربه متوقفة على كشف هذه الصلة ، فالناس مجمعون على أن يجعلوا الله في السماء ، وعلى أن السماء فوق الأرض وفي مكان ما من الفضاء ، وعلى أن الله يراقبهم من أعاليه ، كما لو كان جالسا في مرصد ، وهم في الأرض أحرار يفعلون ما يشاؤون ، والنظرة كلها غريبة عن الإسلام وبعيدة عن حقيقة التوحيد ، فالله ما خلق الإنسان إلا ليظهر ، وهو به يظهر ، وهو لو لاه لم يظهر ، وهو القائل في الأمانة إنه عرضها على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ، وحملها الإنسان ، والأمانة هي العلم ومعرفة الله ، والإلحاح على الصلاة والتشديد على إقامتها والإكثار منها له غاية هي كشف الغطاء عن عيني الإنسان ليرى أين الله ، وأين موقع الله من الإنسان ، وكيف يفعل الله في القلب ، وكيف يكون القاهر فوق عباده ، وكيف يكون مع كل نجوى بين الناس ، وكيف لا يعزب عنه علم مثقال ذرة تكون في صخرة أو في الأرض أو في السماء ، وكيف يعلم الخفايا والسرائر ، وكيف يعلم المستقبل وهو به أعلم ، فالله في الإسلام فعال ، وليس غيره الفعال ، وهذا ما أوضحه الفارابي في فلسفته الإسلامية حيث نصب جسرا بين الدين والفلسفة ، وبين أن لا خلاف بين الفلسفة والدين ، وأن الفلاسفة ، وإن اختلفوا ، فهم قد بينوا وجوه الحقيقة الجامعة ، والصلاة ثقيلة على الإنسان ، وهو سبحانه القائل لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) [طه : ١٣٢] ، والمغزى أن إدراك الحقيقة الكامنة