يغرف من هذه العين علومه ، ويستمد وجوده نفسه ... فبدلا من أن يحيا الإنسان حياته فردا وحيدا معتمدا على نفسه ، مكافحا قوى الشر ظاهرة وباطنة إذ به يولد ولادة جديدة ، وصار عبد الله الصالح ، حرا يفعل ما يشاء ، له ملك الأسماء فهو لها مالك ، وفيها متصرف بإذن الله وبحكم كونه نائبا لله وخليفة.
٩ ، ١٢ ـ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢))
[الإسراء : ٩ ، ١٢]
الليل الباطن من كل شيء وحقيقته ، والنهار عالم الظواهر والله قد جعل عالم الظواهر آية نستدل بها عليه ، ولقد وصف عالم العيان ، بأنه آية مبصرة ، فالبصر للخارج والبصيرة للداخل.
وقوله : (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ،) يعني التقلب في المقامات وممارسة الأسماء قواها ... إذ أن العدد يدخل في حيز الفعل وفيه الصفة والموصوف والعلة والمعلول ، ولهذا أبرزت الفيثاغوريون دور العدد وأهميته ، وجعلوا العدد عشرة بخاصة مقدسا ، وبالملاحظة العلمية والرصد الفلكي عبر التاريخ تبين أن كل شيء خلق بقدر ، وأن العدد يحكمه ، وأن مسار الفلك والكواكب ذو حساب دقيق ما يزال الفلكيون يكتشفون أسراره يوما بعد يوم والملاحظة العلمية تدل على وجود قانون كوني وجودي ذري يحكم العالم بدءا من أكبر المجرات وانتهاء بأصغر الجراثيم ، ولهذا قالت الصوفية : إن العالم مصدره حضرة علمية ووجود علمي ، ولو لا هذه الحضرة ما كان للعلم أن يكون علما ، وكيف يكون العلم علما ، أي ذا قوانين معلومة محددة لو كانت المصادفة مثلا هي التي تحكم الكون كما تقول الوجودية الملحدة؟ وكيف تكون المصادفة أصلا لقانون لا يتحول ولا يتبدل ، وكيف يدعون مع الله إلها آخر هو الفوضى كما يقول الملحدون؟
١٣ ـ (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣))
[الإسراء : ١٣]
الطائر الختم والطابع ، ولهذا كان في العنق ، إذ من العنق يحكم الإنسان والإلزام سر القضاء والقدر الأزليين السابقين على الوجود العياني ، ولو لا الإلزام ما لزم الاسم صاحبه ، ولا لزم الإنسان اسمه ، ولعمت الفوضى الوجود ، فيبيت الأمين أمينا ويستيقظ خائنا ، ويكون العفيف عفيفا فينقلب فاجرا ، وهذا مستحيل ، والمعروف لدى الناس أن هناك ما يدعى