والمترفون إشارة إلى الخواطر ، إذ ورد في الآية فسوق هؤلاء المترفين ، والفسوق الخروج عن أو على ... ولما كان الأمر في القبضة ، فالخروج مثل خروج إبليس ، ظاهره مخالفة وباطنة طاعة تحقيقا للقصد ، والإشارة إلى أن البدن وآلاته في يده تعالى ، وهو الحاكم عن طريق الأسماء ، والقبضة هي التي توجه يمينا وتوجه شمالا كما قال الإمام علي : اليمين والشمال مظلة ...
ولهذا وجب على الموحد أن يغض الطرف عن اليمين والشمال ليرى الله في الضدين ، وهذا ما أشار إليه الإمام علي رضي الله عنه مضيفا قائلا : والوسطى أو الطريق الوسطى هي الجادة ، ويتابع الإمام الأشعري قائلا : الإنسان عند ما يفعل شيئا يشعر في نفسه أنه مختار ، وأن لإرادته دخلا فيما يفعل ، وما دام الله هو الخالق لكل شيء فهو الذي خلق الإنسان ، ويخلق أيضا ما يكون منه من عمل ، كما يخلق أيضا هذا النوع من القدرة الذي يحسه الإنسان على أعماله ، وهذا النوع من القدرة يمكن أن نسميه كسبا ، لأن الله نفسه أطلق اسم الكسب على أعمال العباد ، والنتيجة أن العمل يصدر بتأثير الله لأن الخلق للعمل منه ، وبتأثير الإنسان لأن الكسب للعمل منه ، فالتأثير على هذا النحو من الله والإنسان.
١٧ ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧))
[الإسراء : ١٧]
قلنا : نوح الاسم الجامع ، وهلاك القرون من بعد نوح هو مثل هلاك القرون من قبل نوح ، فالهلاك إشارة إلى أن الكل غرقى طوفان الهيولى وعالم المادة ، إلا من رحم الله ، فنور بصيرته ، فوصل مجمع البحرين الذي وصله موسى ، فنجا من الغرق مثل نوح.
والذنوب هنا جامعة وجمعها الذنب الجامع وهو الوجود الشخصي ، ولهذا أكدت الصوفية أن الأنا أعظم حجاب وأكثفه.
١٨ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨))
[الإسراء : ١٨]
العاجلة تحقيق القصد الجزئي ، وهو كل ما يحصله الإنسان إذا ظل حبيس الاسم الجزئى ، ولا تمتد عيناه إلى الكليات وتحصيلها ، والله يوفي صاحب العاجلة ما يشاء أن يعطيه منها ، إذ أن إعطاء كل إنسان ما يريده مدعاة لإحداث خلل في التوازن الاجتماعي لا بل والبيئي ، فالناس مثلا يريدون أن يكونوا أغنياء ، رؤساء ، أقوياء ، وإذا حقق الله أمنية كل متمن أصاب الدنيا الفساد والخراب ، ولكنه سبحانه ينزل الأرزاق ظاهرة وباطنة بمقدار ضروري لعمران الحياة.