صورته ... وقلنا آدم الجمعية الأسمائية ، فلو أن صورة وجدت من غير مصور لكان في الوسع القول إن شيئا في هذا الوجود وجد ، واحتفظ بوجوده من غير الله وفعل القيومية الإلهية ، ويقول ابن عربي في الفتوحات : إن الله هو الذي يخرج النفس من الصدر ، ويدخل فيه الهواء ، وأن المتكلم بآلة الحنجرة وأوتارها هو الحق باعتبار اسمه الملهم ، فليس بين الحق والخلق فاصل ، ولو كان ثم فاصل ولو مقدار شعرة لكف الوجود عن الانوجاد.
والوالدان الروح والنفس ، فمن كليهما ومن كونهما كليين جاءت هذه النفوس الجزئية ، ومن دونهما ما كان للجزء أن يوجد ، والوالدان الجزئيان أو الطبيعيان باعتبارهما سببا للتوالد والتربية هما مثل الوالدين الكليين ، ولهذا أوصى الله بالوالدين خيرا ، وليذكر الإنسان كيف ولد ، ومن أين جاء ، وكيف ربته أمه ، وأرضعته ، وسهرت عليه ، وليذكر كيف يحيط الأبوان الولد بالعناية والرعاية حتى يبلغ أشده ، وليذكر أنه سيمسه الكبر كما مس والديه ، ويصير ضعيفا غير قادر على حمل نبقة ، وليذكر أن الدنيا دوارة ، وأن الله يرحم من عباده الرحماء ، وأن رضى الوالدين من رضى الله.
٢٥ ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥))
[الإسراء : ٢٥]
سبق أن تحدثنا عن معرفة الله القبلية للأسماء وحكمها وإلهامها ، ولهذا كان الله عليما بما سيقع في المستقبل سواء على مستوى الكليات أو على مستوى الجزئيات باعتبارها داخلة حكما في الكليات فلا يمكن لمن طبع وهو في رحم أمه باسم من الأسماء ألا يمثل اسمه هذا عند ما يخرج إلى الحياة والله عليم بكل شيء ، ورتب هذا الوجود ترتيبا علميا ، وقدره تقديرا زمانيا بحيث تتوازن كفتا العدل.
٢٦ ـ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦))
[الإسراء : ٢٦]
القريب والمسكين وابن السبيل إشارات إلى اللواحق من آلات الجسم الكلي المسخرة لخدمة الإنسان ، ويدخل في هذا المجال الجوارح والحواس ، ونحن ننطلق من الكثرة إلى الوحدة ، ومن الوحدة إلى الكثرة باعتبار الجسم الكلي وآلاته هو الإنسان الكلي مع آلاته وقواه.
٢٧ ـ (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧))
[الإسراء : ٢٧]
في الصلة بين التبذير والشيطان نكتة ، ذلك لأن الشيطان يدعو إلى اعتماد الأنا أولا ، واتباع الهوى ثانيا ، وهذا شأنه في إغواء آدم ... ولما كان التبذير خضوعا للهوى أيضا فالنتيجة أن التبذير استجابة لداعي الشيطان.