أما الرزق الباطني فهو تتمة للرزق الظاهري وهو داخل في معادلة التوازن الكوني أيضا ، فما قيمة الإمام الغزالي وكتابه العظيم الإحياء لو كان في الناس ألف من أمثال الغزالي يكتبون ألف كتاب مثل كتاب الإحياء؟ قال الغزالي : بعض مخلوقاته شرط لبعض ، فلذلك يجب تقدم البعض وتأخر البعض.
فلحكمة جعل سبحانه العلماء آحاد أفراد ، بل الملاحظ أن سمة الخلق عادة كالفن والموسيقى والأدب تقتضي التفرد والندرة ، وأن يكون الأمر كما قال رسول الله : (إن الله ليبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها).
٣١ ـ (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١))
[الإسراء : ٣١]
الولد بمثابة الولادة الذاتية وهي خروج الحق من الخلق ظهورا علميا ووجوديا ، والإشارة إلى عدم اليأس من الله والوصول إليه وطلب المدد منه سواء أكان مددا علميا أو عمليا.
٣٢ ـ (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢))
[الإسراء : ٣٢]
الزنى اتصال نفس جزئية بنفس جزئية في غير سبيل مشروع وهو فاحشة ... والسبب أن الله جعل في الترتيب الكوني حكمة ، وجعل صلة الناس بعضهم ببعض مترابطة ، ولا يعلم سر تقارب الذكر والأنثى إلا الله ، ويعيش البشر هذا التقارب أو التجاذب والتباعد أو التنافر دون أن يعلموا الكثير عن أسبابه ودواعيه ، وقالت الفرويدية إن السلوك البشري يخضع لتأثير العقل الباطن ، وإن العقل الظاهر ليس إلا أداة تنفيذ للعقل الباطن الذي سماه فرويد اللاشعور.
والمهم القول : إن القفز فوق سور الشريعة وتجاوز حدودها فيه خطر على الإنسان والإنسانية ، ويظن الزاني أنه قد فاز باللذة ، وأنه ما فاز باللذة إلا الجسور ، وما يعلم مدى ما أفسد وهدم ووأد وقتل.
٣٣ ـ (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣))
[الإسراء : ٣٣]
القتل ضربان : قتل نفسي وهو الانتحار ، وقتل نفس أخرى وكلاهما خروج عن الحق وعلى الحق ، فالخروج عن الحق خروج على مالك النفس وهو الله لا الإنسان ، والنفس لدى الإنسان عارية ووديعة ...
ويحسب الإنسان أنه هو نفسه ، وما هو إلا خيال وشبح وجسر معلق بين الوجود والعدم ، فما يتعرض له الإنسان من ضغوط ، وما ينزل به من بلاء ، وما يفرض عليه من صراع