وتناقضات إنما الهدف منه الكشف عن وجود الحقائق الإلهية في المملكة الإنسانية وما كان الله ليعذب نفسا أو يبتليها بقصد التعذيب حاشاه سبحانه إنه هو العليم الحكيم ، يعلم ما يفعل ولماذا يفعل.
والخروج على الحق خروج على الملكية الإلهية نفسها ، ذلك أنه بقتل النفس يكون الإنسان قد تعرض عن جهل بالأذى لهذا البحر الكلي الذي لا يمكن فصل جزء منه عن جزء ، ولئن فعل فجزاؤه وبال عليه هو ، لأن النفس إن خرجت من جسد التحقت بأمها النفس الكلية فلا حرج عليها ، ويبقى الإثم على من أخرج هذه النفس من مستقرها إلى مستودعها دون إذن إلهي.
٣٤ ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤))
[الإسراء : ٣٤]
اليتيم إشارة إلى القلب المفصول عن الروح والملقى بين يدي النفس الحاضنة إن كانت هذه النفس صالحة ، والقلب في الحالين يتيم ... وبلوغ الأشد كشف الروح الكلي عن وجوده في الإنسان فإذا القلب قد سكن واطمأن وبلغ اليقين ، وعرف من هو ، ومن أين جاء ، وإلى أين يصير ، ويكون قد بلغ كماله ، أما إذا لم يسفر الروح ظل القلب معلقا بهذه الأرجوحة من الخير والشر ضائعا متعبا جاهلا المصدر والقصد والمآل.
٣٥ ـ (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥))
[الإسراء : ٣٥]
الكيل والميزان إعطاء الأسماء حقها من الصفة والفعل ، فكل صاحب اسم إن قصر في حق اسمه كان الندم جزاءه وتبكيت الضمير ، ولا يزال صوت الضمير بالقلب حتى يردعه ، ويرده إلى الصراط المستقيم.
٣٦ ـ (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦))
[الإسراء : ٣٦]
التحذير من بت القضايا دون الرجوع إلى الوحي النبوي والإلهام الرباني ، وفي هذا التحذير بيان لما كان جلال الدين الرومي قد أعلنه في كتابه «المثنوي» : من أن الله فكر والإنسان فكر أيضا ، ولكنه فكر ضعيف ، ويعد نقد كانط لطبيعة العقل البشري نقدا قويا زعزع قواعد العقل ، وزلزل أرضه ، لما كشف عما فيه من تناقض وتضاد ، فالإنسان مجبول على الغلط ، وهو يخطئ ويصيب ، والآية تحذر النبي من أن يدرب دربا لا علم له بها ، فما يأتيه به الوحي واضح وسليم ، والوحي صوت الحكمة والصواب ، أو كما قال الرومي : كل من يتلقى