فكيف بوسعه أن يدعي أن قواه له ، وما هو بالنسبة لها إلا مستودع وجامع هذا على مستوى الإنسان ، أما على المستوى الإلهي فالله هو الفاعل ، ولهذا كانت الذكورة كفعل هي من صفاته إذ لا فاعل سواه ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (حبب إلى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) ، فلقد رأى صلىاللهعليهوسلم ببصيرته وجهي الفاعل والمنفعل في النكاح ، حتى الإلحاد الحديث لم يستطع أن يقول إن الفاعل الظاهر هو الفاعل الحقيقي ، وردوا كل هذه الظواهر إلى عالم الطبيعة ، وقالوا من ثم بالأسباب الطبيعية والقوانين السببية ، فأنى توجه الإنسان فلا محيص له عن الاعتراف بأنه قابل منفعل لا فاعل ، وأن الأمر بيد سواه سواء أكان هذا السوى الله أو الطبيعة.
٤١ ، ٤٢ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢))
[الإسراء : ٤١ ، ٤٢]
العرش مكان نفود الأمر الكلي فهو الفلك المكوكب والذر الذري ، وهو النور المعنوي والنور المادي ، أي أن العرش هو الوجود ، وكل ما في الوجود هو من صنع معمل الوجود نفسه ، إذ منذا الذي يجرؤ على القول إنه قد جاء من غير هذا المعمل؟
وما دام الوجود الصانع والمنتج ، والوجود هو الحق ، فالنتيجة أن كل نتاج الوجود ملك الوجود لا مالك الوجود ، والآلهة ، أي ما يعبد عادة سوى الله من مظاهر كعبادة الصفات ومظاهر الصفات من أوثان وصور وأشخاص هذه الآلة هي من إنتاج الوجود كما بينا ، ولهذا قالت الصوفية : لا معبود إلا الله ، ولهذا شرحنا معنى لا إله إلا الله فما في دائرة الوجود هو في القبضة النورانية ، ومن في القبضة وما في القبضة ، أي ما يكون داخل الدائرة الكونية الذرية لا يستطيع الخروج على حده ، ولا عن الدائرة ، فهو مقهور عبد ، علم هذا أم جهل ، وأقر بهذه الحقيقة أم أنكر.
٤٣ ـ (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣))
[الإسراء : ٤٣]
فرقت الصوفية بين الظاهر والمظاهر ، فالظاهر هو الأصل وهو الجوهر القديم ، وهو المقوم لكل ما في عالم العيان ، أما المظاهر فمحدثة ، بل هي فانية باعتبار ظهورها بغيرها واستمدادها القوى منها ، ولهذا قالت الصوفية : الرب رب والعبد عبد ، وقالوا : الحق حق ، والخلق خلق ، ثم تابعوا الطريق فقالوا العبد نفي وسلب لأنه مرآة الحق وليس للمرآة وجود غير وجود ما تعكسه أمامها ، فهي من دونه ليست مرآة ، وقالوا : الخلق حق باعتبار الفناء أيضا ، لأنه مادام الجوهر مقوم فلا قيمة لمن قام بالمقوم ، ولهذا قالت الصوفية ، ومن قبلهم أفلاطون : إن الوجود العياني وجود شبحي إمكاني صرف وإن بدا متماسكا كالمداميك.