واستمعوا الوحي ، وأملي عليهم ، ومنهم من قصهم الله علينا ومنهم من لم يقصص ، ولماذا نذكر الأنبياء فقط ولا نذكر العباقرة الأفذاذ الذي جاؤونا بكل عظيم فريد مظهرين قدرة الخلاق الذي خلقهم وأمدهم بقوى الخلق وطاقات العبقرية العجيبة؟ قال فرويد : أمام ظاهرة الخلق الفني على التحليل النفسي وا أسفاه أن يلقي سلاحه. أي أن فرويد أقر واعترف بأن ظاهرة الخلق الفني لا يمكن أن تدرج في نطاق فلسفته النفسية التحليلية من قريب أو بعيد.
فخلق الوجود هو المعجزة عامة وخلق الإنسان هو المعجزة بخاصة ومطالبة النبي صلىاللهعليهوسلم بإتيان المعجزة هو ضرب من الحمق بل هو ضرب من التعنت ، والنبي ما كان عاجزا عن الإتيان بمعجزة ، وله في هذا المجال شواهد ذكرها التاريخ ... ولكن الله سبحانه أبى أن يبني الإسلام على قاعدة هي المعجزة ، ودعا إلى التفكير في معجزة الوجود نفسها ، وقال سبحانه : (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) [آل عمران : ١٩١] ، ونجد في المحاورة بين إبراهيم ونمرود أن إبراهيم عليهالسلام قال متحديا : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر.
فإن لم يعكف الإنسان على نفسه وفي نفسه ، ويتأمل ما حوله من بديع الخلق ، وما لم يكتشف أن الله باطن كل حي بل باطن كل شيء فإنه لن يصل إلى الله ، ولن يعرف الله ، ولن يكون للمعجزة فيه من تأثير حتى وإن رآها بعينيه ، قال سبحانه : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)) [الأنعام : ٧].
٩٥ ـ (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥))
[الإسراء : ٩٥]
في الآية لطيفة وهي كون العالم العياني مظهر أعيان الله ، وتذكر الآية بالأعيان المعقولات من الملائكة الذين لهم ظهور في البشر مشيرة إلى هذا بالقول (لو كان) في حين تبين الدراسات والتأملات الدينية والفلسفية أن المعقول يظهر في المنظور ، وأنه لا معقول بلا محسوس يظهر به ، فلا يوجد ملائكة إذن منفصلين عن البشر إذ الملائكة جند الله ، والجند الفعلة ، والفعلة الخواطر ، والخواطر الفعلة في الناس ... فظاهرا هناك الناس وباطنا هناك الأعيان المعقولات ، وعليه فالنبي صلىاللهعليهوسلم مظهر اسمه الظاهر ، واسمه العليم ، واسمه الحكيم ، إلى آخر الأسماء الصفاتية التي تسمى الحق بها ، فالمطالبة بالفصل بين النبي وحقيقته التي هي الروح مستحيلة ، لأن الروح الأمين ظهر بالنبي مثلما ظهر له في صورة دحية كما ورد في الحديث ، ولهذا كانت الصوفية علم التوحيد ، ولا توجد إلا بالتوحيد بين الظاهر والباطن ، وبين