النداء إشارة إلى القلب أو النفس الجزئية وقد تعب من التفكير في الأحجية الكبرى التي هي الحياة ، فمن دون اعتماد الشريعة ، كيف يعلم الإنسان من هو ، ومن أين جاء ، وكيف جاء ، وما دوره في الوجود ، وإلام الصراع والألم والعذاب؟ فالإنسان من غير الشريعة تائه بائس مسكين.
ومع هذا فللشريعة حدود كما جاء في وصف الأعراب : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] فالإيمان درجات أولها الإيمان بالله ، وزكريا أنهى دوره وعمل صالحا وجاهد واجتهد ، ولكنه ظل مع هذا متعبا كما قال صلىاللهعليهوسلم : (لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه) ، وقال عارف : توقع الأكدار ما دمت في هذه الدار ، فزكريا شكا ربه ما به ، وأن العمر تقدم به ، وأنه خائف من الدنيا وشركها ، وما تفرضه من مجاهدات ، كما أن الخواطر بالمرصاد ، ولا ينجو من الخواطر حتى ولا المؤمنون ، والخواطر هي ما رمز إليها زكريا بالموالي ، وقوله : (مِنْ وَرائِي) أي هن على أثري ، أي لا يدعونني ...
وقوله : (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) إشارة إلى النفس الحيوانية التي كنا سميناها الجسم الكلي والروح الحيواني والتي هي مركبة الإنسان بما لديها من أجهزة وآلات كالدماغ والأعصاب والحواس ... ووصف هذه النفس بأنها عاقر يعني أنها لا تستطيع إلا جمع المعلومات من الخارج ، ولهذا رفض الفيلسوف كانط إثبات وجود الله بالأدلة العقلية ، إذ الفكر متناقض ، ويمكن اعتماده لإثبات وجود الله ولعدم وجوده ، وهذا أمر مشاهد لدى الفلاسفة المؤمنين والملحدين.
وقوله : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ،) يعني أن ارزقني اليقين ، كما قال موسى لفتاه : (آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) [الكهف : ٦٣] ، وفي قوله : (وَلِيًّا) نكتة ، فالولي من ولاه الله ، بل إن عبد الكريم الجيلي جعل الولي الحق نفسه ، كما قال سبحانه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ٢٥٧] ، فزكريا سأل ربه أن يهبه اليقين لينجو مما هو فيه من أذى الخواطر والشكوك وتعب المجاهدات.
٦ ـ (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))
[مريم : ٦]
الوراثة ، وراثة الروح ، أي أن يصبح الروح هو الوارث ، والوارث اسم من أسمائه تعالى ، وآل يعقوب الجماعة المؤمنون الواقفون بالباب ينتظرون الرحمة والبشرى والدخول في الصالحين.
٧ ـ (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧))
[مريم : ٧]
يحيى إشارة إلى اسمه تعالى الحي ، فهو كالعبد الصالح الذي لقيه موسى عند مجمع