١٥ ـ (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥))
[مريم : ١٥]
الولادة ولادة النفس الجزئية من النفس الكلية وسكناها الجسد ، والموت موت هذه النفس المعنوي وذلك بكشف الغطاء عن حقيقتها وذلك كما قال هيغل : تحول العقل إلى روح تعي نفسها أنها روح ، والروح يجب أن تكشف أنها ليست أنا فقط وإنما هي نحن أيضا ، والبعث القيام من بين موتى الجهل ، فتصبح حياة الإنسان حقيقته ، أو كما قال عيسى عليهالسلام : (لا يدخل ملكوت السموات من لم يولد مرتين) ، وقال أبو العباس المرسي : أنا والله ممن ولد مرتين ، الإيلاء الأول إيلاء الطبيعة ، والإيلاء الثاني إيلاء الروح في سماء المعارف.
١٦ ، ١٧ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧))
[مريم : ١٦ ، ١٧]
قلنا : مريم إشارة إلى النفس الكلية الجامعة وقد مثلها الإنسان الكامل الذي صار صالحا لاستقبال الأنوار ، فلهذه النفس الكلية المسماة في الفلسفة النوع أفراد يمثلون هذا النوع كما يمثل النبي النبوة.
والمكان الشرقي التوجه إلى جهة الروح وذلك بأن يدعى المراد إلى دخول الخلوة والاعتكاف ، والحجاب إسدال الستار بين النفس والناس من أجل تحقيق أهداف الخلوة ، وعلى هذا الأساس كونت الصوفية مذاهبهم وطرائقهم ، وعمرت مدارسهم بطلاب الحقيقة من المريدين والسالكين ، واشتهرت مدارسهم وطرائقهم كالطريقة الشاذلية والطريقة النقشبندية والطريقة الرفاعية والطريقة المولوية نسبة إلى جلال الدين الرومي ... وكل هذه الطرائق تدعو الناس إلى الاعتكاف وإرخاء الستار بين النفس والعالم البراني لفتح مغاليق العالم الجواني ، والروح صوت الضمير وقد انتقل من فلك الأنا إلى فلك نحن فإذا هو صوت جماعي كلي يجعل المكاشف يتحقق بأن صوت الجزئي كلي ، ويعي قوله سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٨ ، ٧].
والتمثل في صورة بشر ظهور الروح من الأنا نفسها ، وعادة الإنسان أن يحاور نفسه ، ويقال في الأدب : فلان يفكر بصوت عال ، فهذا الحوار الذاتي شخصي ولكنه عند الكشف يصير جمعيا ولهذا وصف في الآية بأنه بشر ، والبشر صيغة مفرد تفيد معنى الجمع ، فالروح ظاهر بالبشر دون أن يدري البشر.
١٨ ـ (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨))
[مريم : ١٨]
الصوت الذاتي الجامع يظهر بكشف سر التضاد ، وفهم سر التضاد هو المدخل إلى عالم