الفاعل واحد ، وأن الواحد وراء هذه الكثرة ، وأن السّلام وارث التناقضات ، وأنه هو الموحد مثل نبيه في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، قد نجا من نار النمرود لما أدرك سر التضاد.
٦٤ ـ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤))
[مريم : ٦٤]
الخطاب من الروح الكلي جبريل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : ليس حقيقة الروح إلا الحق وحكمته ، فالروح هو الصدور الأول عن الله ، وما دام صدورا فهو مأمور قائم بالله ، ولهذا كان تحركه مرتبطا بربه ، وما دور الوسيط سوى أن يكون جسرا بين الحق والخلق وبين العبد والرب.
٦٥ ـ (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥))
[مريم : ٦٥]
لا سمي لله إلا الله ، والأسماء التي سمى الله بها نفسه كالرب والرحمن وبقية الأسماء هي من باب الإضافة إليه ، لأنه هو جوهر هذه الأسماء وسبب وجودها ، فالوجود الإلهي سبق وجود كل شيء حتى وجود الأسماء والمعقولات والمحسوسات ، وقال عبد الكريم الجيلي : اسمه سبحانه الله ، فإذا حذفت الألف صار اسمه لله ، فإذا حذفت اللام صار اسمه له ، فإذا حذفت اللام الثانية بقي اسمه الهاء ، أي الهو ، والهو هو الوجود كله بدءا من الوجود الصرف إلى العقل الصرف إلى النفس الصرفة إلى الأنفاس الجزئية الخارجة الداخلة من وإلى رئات العالم.
٦٦ ـ (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦))
[مريم : ٦٦]
الموت هنا إشارة إلى موت النفس الجزئية المعنوي أي تحققها بالمصدر الذي صدرت منه ، والذي هي دائما متعلقة به والسؤال هو : هل يبقى من الإنسان شيء إذا ما وعى كشفا ما قاله هيغل عن العقل الذي ينبغي أن يعي أنه روح؟ والجواب : أجل يبقى ، وضرب مثل لهذا الحديد الذي يحمى في النار ، فهو وإن احمر وذاب وصار سائلا أو شبه سائل إلا أنه يبقى حديدا ، والفناء عند الصوفية فناء أنا الإنسان وصفاته وفعله ، إلا أنه يعي أنه شعاع من النور ، وأنه نور مضاف إلى النور الأصيل ، وأنه ليس شيئا إلا ذلك النور وإن احتواه الهيكل ، فالفناء الصوفي فناء ذوقي علمي ، ولهذا تسنم هؤلاء الفانون الموحدون جبل الإنسانية ، وكانوا لها قللا قننا شوامخ بهم يظهر الله بكامل حليه وحلله.
٦٧ ـ (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧))
[مريم : ٦٧]
الإنسان لم يكن شيئا ، وهذا أمر بدهي إذا ما فكر الإنسان في نفسه أين كانت قبل أن تولد ، فوجوده معار ، ثم يكتشف الصوفي أن وجوده يظل معارا بعد خلقه أيضا ، ولهذا خاطب الحق