سبق أن تحدثنا عن ضرورة ورود جهنم باعتبار هذا الورود سببا للجهاد الذي من دونه لا تفتح أبواب المعقولات المغاليق ، فإذا قضى المجاهد مدته في المجاهدة أخرج من جهنم التضاد إلى جنة السّلام.
٧٣ ، ٧٤ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤))
[مريم : ٧٣ ، ٧٤]
الندي بمعنى النادي ، والنادي مكان يتحدث فيه رواده ، والإشارة إلى أن لكل اسم تعيناته ، وبالتالي فإن لكل اسم نجواه وحديثه ، أو كما عبر في الآية بأن له ناديه ، وفي هذا المعنى قال صلىاللهعليهوسلم : (الأرواح جند مجندة ، ما تعارف منها ائتلف ، وما تنافر اختلف) ، فالكافر يألف مثيله ، وكذلك المسلم والمؤمن والمحسن ، وفي الحقيقة ليس في الدنيا سوى النوادي ، وفي هذه الأندية قال سبحانه في نوادي المؤمنين : (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) [الكهف : ٣١].
٧٥ ـ (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥))
[مريم : ٧٥]
مد الرحمن النجوى الذاتية التي تمد الاسم بنجواه وإلهامه ، فما من مخلوق إلا وله من الرحمن مدد ، وسبق أن تحدثنا عن علاقة اسم الرحمن بالرحمة العامة للمخلوقات ، وهذا المدد هو ما يفسر قوله تعالى في موضع آخر : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) [هود : ٥٦] ، فما دامت الأسماء له فنجوى الأسماء له ومن صنعه ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧ ، ٨] ، فربط بين تسوية النفس وإلهامها.
٧٦ ـ (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦))
[مريم : ٧٦]
الباقيات الصالحات إشارة إلى مقام العبدية الذي يصبح الإنسان لدى بلوغه عبدا كما قال سبحانه في الخضر : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) [الكهف : ٦٥] .. والصلاح إشارة إلى اليقين الذي هو عين يفجر الباقيات الصالحات ، فما الذي يفيد الإنسان في حياته إن لم يعرف من أين جاء ، وإلى أين المفر ، وأين الله ، وكيف يكون الله في القلب ومع العبد؟ والساعة انكشاف الأمر لصاحب اليقين ، فالساعة المشاهدة ، والمشاهدة صيرورة البصر حديدا ، فيرى المبصر جند الله الساعين بين السموات والأرض يعملون لله جاهدين.
٧٧ ، ٨١ ـ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ