الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١))
[مريم : ٧٧ ، ٨١]
تحدثت الآيات عن تعين الاسم البعيد الذي يبقى محجوبا عن الله لأننا قلنا إن معنى كفر ستر ، وأصحاب هؤلاء التعينات يعتمدون الأنا والمال والولد باعتبار المال والولد زينة الحياة الدنيا وسببا من أسباب القوة والجاه ، ويتحدى الله هؤلاء الكافرين متسائلا : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً؟)
والتساؤل بدهي ما دامت الأسماء أصلا لله بما في ذلك أصحاب أسماء الجلال والبلاء فهؤلاء في القبضة أيضا ، فسواء اعتمد الكفار القوة وأسبابها أم لا فما لهم عند الله عهد ، والله حر يفعل ما يشاء ، وما يفعله هو الوراثة ، وسبق أن تحدثنا عن الوراثة الإلهية للأسماء وعملها ، وكيف يكون سبحانه وارث كل شيء ، لأن حصيلة عمل كل تعين اسم هو لله أيضا وإلا لما قال سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزّخرف : ٨٤].
وقوله سبحانه : (وَيَأْتِينا فَرْداً) [مريم : ٨٠] يعني انضواء كثرة تعينات الأسماء تحت الوحدة ، ورجوع أصحاب التعينات إلى الاسم الذي هو بمثابة النوع الذي تدرج فيه الأفراد ، فالفرد هنا هو الروح ، حقيقة النوع بل الأنواع ، وسماه الإمام الغزالي : المطاع ، كما قال سبحانه في وصفه : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)) [التّكوير : ٢١] ، فليس في الوجود إلا هذا الفرد الذي هو روح كلي تدرج فيه الجموع ، وهو الفاعل بإذن ربه ، ينطلق بالأمر منه إلى المحسوسات ، ثم يعود إليه ، بحصيلة المعقولات ، ويتحقق من ثم كون الله هو المورث والوارث ، ويتحقق كونه إلها أوحد.
٨٢ ـ (كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢))
[مريم : ٨٢]
من التضاد عرفت الصوفية سر التوحيد ، فلا بد من الإيمان بالتضاد باعتباره الموضوع ونقيض الموضوع ، كما قال هيغل ، لتحقيق التوحيد ، وإلا لبقي الإنسان في معزل عن الله في الأرض ، وهذا ما أشارت إليه الآية قائلة : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ،) أي تكون الآلهة ضدا على من يؤمنون بهم ، وهذا صحيح ما دام الإنسان سجينا في قفص التضاد.
٨٣ ، ٨٧ ـ (أَلَمْ تَرَأَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧))
[مريم : ٨٣ ، ٨٧]
تفسر الآيات كيف تكون الآلهة على من يعبدونهم ضدا ، وترجع الآيات عمل الآلهة إلى