الله باعتباره الفاعل القاهر ، فالآلهة ، وإن عبدوا كآلهة ، فهم صور ، وبالتالي فهم من جنود الله لتحقيق التفريق والإبعاد أولا ، ثم تحقيق التقريب والجمع ثانيا ، ولهذا كان لا بد من وجود فريق من الناس خصوا بالإبعاد ووجود فريق آخر خصوا بالتقريب والجمع.
٨٨ ، ٩٥ ـ (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥))
[مريم : ٨٨ ، ٩٥]
الحديث عن الولد والولادة ، ولقد سبق أن بينا كيف يستحيل أن يكون لله ولد ، كما بينا كيف يستحيل أن يكون لله من وجود حق سوى الوجود الشبحي النسبي الإضافي ، ولهذا قال سبحانه : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) أي باعتبار الكثرة خروج الوحدة إلى عالم العيان وكونها هي المظاهر للاسم الإلهي الظاهر ، فالكل عبيد مربوبون مألوهون ، والأمر في الأرض هو كما ترى علماء الفلك المجرات في الفضاء ، ويرون النظام هو السائد وهو السلطان ، ولقد أوغل أينشتاين في دراساته حتى تنبأ بظهور كوكب جديد في زمن معين ، فتتحقق ما قاله إينشتاين في الوقت المحدد.
٩٦ ، ٩٨ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))
[مريم : ٩٦ ، ٩٨]
الود شدة المحبة ، وهو تحقيق قوله تعالى : (يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤] ، فعملية الاصطفاء دائمة تمارس دورها ، إذ تصطفي من الناس أنبياء وأولياء علماء عارفين محققين يجعل الرحمن لهم ودا ، فيحبهم ويحبونه ، والملاحظ أن هذا الود قرن باسمه تعالى الرحمن من جديد ، وقلنا الرحمن الرحمة العامة ، فالفارق بين الرحمة العامة والرحمة الخاصة المسماة الرحيمية هو الود الذي خص به العارفون ، وشهد التاريخ نماذج ممن خصهم الله بوده فكان ابن الفارض سلطان العاشقين ، وكانت رابعة سلطانة العاشقات ، وينسحب معنى الآية الأخيرة لا على الماضي فحسب بل على الحاضر والمستقبل ففي عالم الذرة تبين أن كل ما هو مادي أساسه الذرة ، كما تبين أنه لو توقفت الكهارب السالبة عن الدوران حول الكهرب الموجب لتفكك العالم كله في ثوان ، ونسف نسفا ، وعاد ذرا غير مكثف كما كان ، أما في عالم المعقولات فيكفي ألا تشع شمس الذات أشعتها حتى تكف المعقولات عن أن تكون