٦ ـ (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦))
[طه : ٦]
الإشارة جامعة وتدل على تصرف الله في الملك والملكوت ، قال سبحانه في موضع آخر : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها).
٧ ـ (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧))
[طه : ٧]
الإشارة إلى اسمه تعالى الباطن ، فهو الباطن من كل ظاهر ، ولئن كان الإنسان عقلا فالله عقل العقل أو جوهر العقل أو نور العقل ، وكل حركة ظاهرية أساسها دفع باطني ، وعلى هذا الأساس تفسر علاقة الأجهزة بالدماغ وكيف يصدر الدماغ الإشارات الكهربائية إلى الأجهزة لتتحرك ، وقلنا : إن قوى الروح تنصب على الدماغ فتنتج الوعي والإدراك ، وهذه القوى سبب صدور الإشارات الكهربائية التي ما يزال العلم حائرا أمامها ، وكنا قد بينا في كتابنا الإنسان الكامل كيف يكون الإنسان آلة الحق محركها ، فما دام هو المحرك فالنتيجة العلم بالمحرك بفتح الراء ، وما خفي أمر إلا وعلمه الله باعتباره خفاء الخفاء ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [سبإ : ٣].
٨ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨))
[طه : ٨]
الأسماء الحسنى دائرة المعقولات الصادرة عن الروح الكلي باعتباره مركز الدائرة ، ولئن كان الإنسان جرما صغيرا فمن الممكن تصوير أمره على النحو التالي يلهم الروح الكلي الموجود في الإنسان اسمه أي صفته ، وتسمى هذه الصفة الميل أيضا ، أو الغريزة في عالم الحيوان ، فتكون الصفة علة للإنسان الذي هو معلول فينطق أو يتحرك أو يعقل ، قال الفارابي ليس في جواهرها أي المعقولات كفاية في أن تصير من تلقاء أنفسها معقولات بالفعل ، ولا أيضا في القوة الناطقة ... بل تحتاج أن تصير عقلا بالفعل إلى شيء آخر ينقلها من القوة إلى الفعل ، والفاعل الذي ينقلها من القوة إلى الفعل هو ذات ما ، جوهره عقل ما بالفعل ومفارق المادة ، منزلته من العقل الهيولاني شبيه بفعل الشمس في البصر ، فلذلك سمي العقل الفعال ، وإذا حصل في القوة الناطقة من العقل الفعال ذلك الشيء الذي منزلته منه منزلة الضوء من البصر حصلت المحسوسات حينئذ عن التي هي محفوظة في القوة المتخيلة معقولات في القوة الناطقة ، وتلك هي المعقولات الأولى التي هي مشتركة لجميع الناس.
ففي الإنسان انطوى إذن العالم الأكبر كما قال ابن عربي ، الله يشاء ويقدر والإنسان يتحرك لتحقيق القصد ، ولا فاصل بين المشيئة وبين ما يفعله الإنسان من قول أو فعل إلا التتابع ،