الفلسفة كائنة بالقوة ... حتى إذا قضي الأمر ، وجاء الفتح ، فتحت النفس فإذا الذات الكلية فيها زهرة متفتحة نشرت أريجها من المعقولات ، وبثت الأريج في العالمين ، فردد الذاكرون الفانون ، الله ، الله ، لا إله إلا الله ، سبحانك إنا كنا عنك غافلين ، فلا تؤاخذنا واعف عنا ، وأدخلنا في رحمتك ، وأنت خير الراحمين.
٣٥ ، ٣٧ ـ (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧))
[طه : ٣٥ ، ٣٧]
البصير كناية عن العناية الإلهية الرحيمية بالعبد المصطفى والله سبحانه بعباده جميعا بصير ، إذ البصر هنا المعرفة والعلم ، والله عليم بعباده لا يخفى عليه شيء ، والبصير هو الواهب التعينات أسماءها ، فهو بها بصير من حيث الأسماء ، والبصير هو العليم بالمدخل والمخرج لأنه سبحانه المقدر المنفذ ، حاشاه أن يخرج عليه شيء ، فالله البصر العام وهو اسم الرحمن ، والبصر الخاص وهو اسمه الرحيم.
٣٨ ـ (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨))
[طه : ٣٨]
الأم كناية عن النفس الكلية الحاضنة للنفس الجزئية والوالدة لها ، والوحي ما يطلب إلى هذه النفس فعله عن طريق الخواطر لتستقيم النفس على الطريقة ويكون الإنسان عبدا.
٣٩ ـ (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩))
[طه : ٣٩]
التابوت بمثابة البدن ، واليم الهيولى وعالم العناصر ، والساحل القلب الذي هو جسر بين النفس المادية من جهة والروح من جهة أخرى ، والعدو النفس المادية التي لا تأمر إلا بالفحشاء وتوسوس في الصدور ، والمحبة الاصطفاء الإلهي للعبد الرباني الذي اصطفى ليكون ابنا لآدم صاحب المعقولات والأسماء ، والصنع على عين الله الهداية الحقانية بالنور اليميني الذي يلهم العبد اتباع سبيل الله المفضي إلى معرفة التوحيد ، وعين الله هنا الصوت الملهم نفسه ، وتظهر هذه العين بعد الاطلاع على سر التوحيد كاشفة عن أنها إنسان عيني الإنسان أي روحه ونفسه ، فلها اليمين والشمال ، ولها قضاء الخير والشر ، ولها الصفة والاسم والفعل ، فالعين الإلهية الوجود ظاهرا ، وباطنا وهي حقيقة كونه لا إله إلا هو.
٤٠ ـ (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠))
[طه : ٤٠]